أروى بنت منصور بن عبد الله بن يزيد بن شمّر الحميريّة ،لا يعرف تاريخ ولادتها، غير أنّ المصادر تذكر أنّها انتقلت مع أبيها (ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، دراسة وتحقيق محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا ، بيروت، دار الكتب العلمية، ط2، 1995. ج 7، ص 336) من اليمن إلى القيروان منذ سنة 110هـ/709م واستقرّت معه بها. اشتهرت في المصادر المشرقية بكنية أمّ موسى الحميرية، نسبة إلى أبيها ذي الأصول اليمنيّة الحميريّة.
ارتبط ذكرها بثاني خلفاء بني العباس ومؤسّس بغداد الخليفة «أبي جعفر عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطّلب بن هاشم (95-158هـ/714-775 م)». إذ تتّفق المصادر على أنّ المنصور جاء إلى إفريقيّة هربا من ملاحقة الأمويّين في فترة انتقالية شهدت اهتزاز حكم بني أمية وبداية انتقال السلطة إلى بني العباس. وتعزو بعض المصادر لجوءه إلى إفريقية دون غيرها هربا من ملاحقة الأمويين إلى أنّ أمّه كانت بربريّة من إفريقيّة وتدعى سلامة. فقد جاء في تاريخ ابن الجوزي: «رأيت أبا جعفر يخطب على المنبر متعرّق الوجه يخضب بالسواد وكان أسمر طويلًا نحيف العارضين وأمّه أمّ ولد يقال لها سلامة البربريّة» (المصدر السابق نفسه، ص 335). وتذكر المصادر أيضا أن ابن عمّه عبيد الله بن العباس قد وصل قبله إلى القيروان هرباً من ملاحقة الأمويّين ، فحلّ في بيت منصور وتزوّج ابنته أروى وعاش معها إلى أن توفّي في حدود 120هـ /719م بعد أن أنجب منها بنتا.(ابن حزم الأندلسي، علي بن أحمد بن سعيد (ت456هـ): جمهرة أنساب العرب، تح. وتعليق: عبد السلام هارون، القاهرة، دار المعارف، ط5، ص21). وقد وصل بعد ذلك ابن عمّه عبد الله ابن العبّاس هارباً من ملاحقة الأمويّين فنزل أيضاً في بيت منصور وانبهر بجمال أروى وخطبها (ابن الجوزي: المصدر السابق نفسه). وعبد الله بن العبّاس هذا هو الذي سيشتهر لاحقا بكنيته أبي جعفر المنصور، وهو ثاني خلفاء بني العبّاس بعد أبي العبّاس السفاّح، ومؤسّس بغداد ومتّخذها عاصمة لخلافته. وتتّفق المصادر على أنّ أبا جعفر المنصور قد أعجب بأروى الحميريّة وبجمالها وأدبها أيّما إعجاب حتّى إنّه طلب من أبيها أن يزوّجه إيّاها فاشترط عليه أن لا يتزوّج عليها ولا يتّخذ سرّية، أي جارية.
وقد طار ذكر أروى في المغرب والأندلس وفي المشرق بفعل هذا الزواج عامّة وبفعل الشرط الذي اشترطه والدها على المنصور وظلّ هذا ملتزما به وفيّا له حتّى وفاتها سنة 146هـ/ 763م. وهو أمر أجمعت عليه المصادر المغربية والمشرقية معا. حيث ذكر ابن الجوزي في باب حديثه عن ولد أبي جعفر المنصور ما يلي: «كان له المهدي واسمه محمد وجعفر، أمّهما أروى بنت منصور بن عبد الله بن يزيد بن شمر الحميرية وكانت تكنّى أم موسى وكان المنصور قد شرط لها ألّا يتزوّج عليها ولا يتسرّى وكتبت عليه بذلك كتابًا وأشهدت عليه شهودًا فبقي عليه عشر سنين من سلطانه كذلك. وكان يكتب إلى الفقيه بعد الفقيه ليفتيه برخصة فإذا علمت أمّ موسى أرسلت إلى ذلك الفقيه بمال فلا يفتيه، فلمّا ماتت أتته وفاتها وهو بحلوان فأهديت إليه تلك الليلة مائة بكر» (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، مصدر مذكور، ج 7، ص 336) ويبدو أنّ هذا الشرط لم يكن من ابتداع منصور الحميري ولا ابنته كما قد يفهم من المصادر وكما شاع عند عامّة الناس. بل من الواضح أنّه كان معروفا ومتداولا لدى أهل القيروان حتّى عرف بالصداق القيرواني. فقد ذكر الدباغ أنّ «الأمير عبد الرحمن بن حبيب بن عقبة بن نافع ناط قضاء القيروان سنة 132 هـ بجميل بن كريب المعافري وكان قاضيا عادلا لا تأخذه في اللّه لومة لائم فبينا هو يوما جالس جاءه تابع من امرأة الأمير عبد الرحمن وعرض عليه نيابة عن مولاته قضيّة في زواجها وهي أنّها كانت قد اشترطت على الأمير عند البناء بها أنّه مهما تسرّى عنها بغيرها كان أمرها بيدها. وجاء أنّ القاضي أرسل إلى الأمير وأقام عليه الحكم وبعث إلى الزوجة مع تابعها أنّ بإمكانها الآن أن تختار بين أن تطلّق نفسها وأن تبقى معه» (الدباغ، أبو زيد عبد الرحمان بن محمد الأنصاري الأسيدي(ت696هـ) : معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، تح. محمد الأحمدي أبو النور ومحمد ماضور، القاهرة/مكتبة الخانجي، تونس/ المكتبة العتيقة، ج1، صص 224-225) ويرجّح هذا الخبر أنّ هذا النوع من الأصدقة كان معروفا عند أهل القيروان وشائعا بين نساء الخاصّة والأشراف، حتى صارت صيغته ثابتة تستخدم في العقود ونصها» وبعد تمام العقد وانبرامه طاع الزوج لزوجته بالجعل التحريمي على عادة نساء القيروان طوعا تامّا، لا يتزوّج عليها امرأة سواها إلّا بإذنها ورضاها، وإلّا فأمر الدّاخلة عليها بيدها تطلّقها عليه بأي أنواع الطّلاق شاءت من الواحدة إلى الثلاث». ويصحّح هذا الخبر ما هو رائج من ربط بين أروى القيروانية وما أصبح يعرف بالصداق القيرواني أو بالشرط على عادة أهل القيروان وكأنّها هي أوّل من سنّ هذا الشرط. وكانت أروى قد أنجبت للمنصور محمّدا الذي تولى الخلافة بعده ولقّب بالمهدي (158-169هـ /778-785م) وجعفر الأكبر الذي كنّي به (ابن حزم الأندلسي، مصدر سابق، ص 21) .
ولم يكن شرط أروى الأمر الوحيد الذي أخذته معها إلى بلاد المشرق من بلاد المغرب حيث شاع وعرفه الأندلسيون بكثرة (نقف في فتاوى المغاربة مثل فتاوى ابن رشد الجد وفتاوى البرزلي وفي ما جمعه الونشريسي من فتاوى أهل المغرب على أسئلة كثيرة في هذه المسألة ممّا يدلّ على انتشار هذا النوع من الأصدقة، انظر عملنا حول فتاوى ابن رشد الجد: الإفتاء بين سياج المذهب وإكراهات التاريخ، بيروت، دار الطليعة، 2014، ص 384، وانظر أيضا الرأي نفسه بخصوص بلاد شنقيط عند الباحث أبوصفية، جاسر بن خليل: حقوق المرأة في البرديات العربية على ضوء الكتاب والسنّة، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، 2007)، بل إنّها أخذت معها عادة أخرى عرفتها النساء في المغرب أكثر ممّا عرفنها في المشرق وهي وقف ممتلكاتهنّ على الأعمال الخيريّة، فقد اشتهرت نساء من القيروان ومن فاس وقرطبة بمثل هذه الأعمال كفاطمة الفهريّة أصيلة القيروان التي بنت جامع القرويّين بفاس في 245هـ/859م وأختها مريم الفهريّة التي بنت جامع الأندلس في السنة نفسها والبهاء بنت عبد الرحمان الثاني التي بنت في 230هـ/844م المسجد الجامع في الرصافة بقرطبة. أمّا ما لم تُسبق إليه أروى القيروانية فهو أنّها أوقفت أملاكها على النساء والبنات دون غيرهنّ. فقد جاء في أكثر من مصدر ما أورده الجاحظ: «وكان المنصور أقطع أم َّ موسى الضيعة المسمّاة بالرحبة، فوقفتْها قبل موتها على المولّدات الإناث دون الذكور، فهي وقف عليهنّ إلى هذا الوقت» (الجاحظ : المحاسن والأضداد، القاهرة، مؤسسة هنداوي، 2019، ص 181) وقد يفسّر هذا الاختيار من أروى بانتشار ظاهرة الجواري في المجتمع العباسي وخاصّة منهن اللواتي لم ينجبن أولادا ذكورا ولم يحظين بسبب ذلك بما حظيت به أمّهات الأولاد من ثروات ومكانة اجتماعية، فكان أوّل وقف من امرأة لرعاية أمثال هؤلاء النسوة.
بناء على سيرة حياة أروى القيروانية، وخاصّة على حرصها على أن لا يتزوّج زوجها عليها وأن لا يتّخذ جارية يتسرّى بها وعلى أن توقف أهمّ ما ملكته على النساء وحدهن، يجوز لنا أن نعدّها من أوائل النساء في العالم الإسلامي اللاتي عبّرن بطرائق مختلفة عن عدم رضاهنّ بما يرينه حطّا من قيمتهنّ بوصفهنّ نساء، وعن تضامنهنّ الفعليّ مع النساء اللّاتي حرمتهنّ الأوضاع الاجتماعيّة وطبيعة الذهنيّة السائدة من التمتّع بحقوق كانت تتمتّع بها نساء أخريات.
زهيّة جويرو
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية