0 Loading ...

موسوعة النّساء التّونسيّات موسوعة النّساء التّونسيّات

أسماء حرّوش

[1926-2019]
مجالات النشاط
  • الآداب والفنون

ولدت الكاتبة التّونسيّة «أسماء بن حميدة» يوم 2 ماي 1926 في أكّودة من ولاية سوسة، وتوفّيت يوم 28 جويلية 2019، في تونس، بضاحية المرسى، ودفنت في مقبرة قمرت. كان أبوها يوسف بن حميدة أستاذ الفلسفة قد أنجب بنتين أخريين، آسيا بن حميدة وهي كبرى بناته، وقد تزوّجت من الهادي نويرة الوزير الأوّل السّابق في فترة حكم الحبيب بورقيبة، وربيعة بن حميدة وهي البنت الصّغرى. زاولت أسماء تعليمها الابتدائي في المدرسة التّحضيريّة والابتدائيّة محطّة سوسة، ثمّ تعليمها الثّانوي في كوليج الماريشال بيتان (Collège Maréchal Pétain) والمعهد الثّانوي للذّكور بسوسة. تابعت بعد ذلك دراساتها في معهد كارنو السّوربون، بباريس، قبل أن تلتحق بكلّيّة آكس أون بروفانس (Aix en Provence)، وقد تحصّلت سنة 1950 على شهادة الأدب العامّ من معهد كارنو، وعلى الشّهادة في اللّغة الأغريقيّة سنة 1951 من السّوربون، وعلى الشّهادة في اللّغة اللاّتينيّة من آكس أون بروفانس.

تزوّجت من الطّبيب الجرّاح محمّد حرّوش، فحملت لقبه رسميّا، وأصبحت «أسماء حرّوش»، وهو الاسم الّذي أمضت به كتبها لاحقا. درّست الآداب الفرنسيّة في عدّة مدن تونسيّة، وتنقّلت بحكم مهنة زوجها، من رادس إلى باجة، مرورا بتونس وسوسة. وقد أنجبت منه ثلاثة أبناء (سامي وسهام ووداد حرّوش). ويبدو أنّها بعد تقاعدها قد تفرّغت للقراءة والبحث والكتابة باللّسان الفرنسي، فكتبت في الجملة ثلاث روايات تاريخيّة. أصدرت الأولى منها «مرابطون، نشيد المزوغي» سنة 1999 بدار أرماتون بفرنسا (1999 Murábitûn, la ballade d’El M’zoughi, Paris, l’Harmattan,) ، وبعد أربع سنوات نشرت روايتها الثّانية «شمس» سنة 2003 في دار النّشر نفسها (Chems, Paris, l’Harmattan , 2003.). وفي 2006 وهو تاريخ روايتها الأخيرة «علّيسة ولرباص، زواج الحيلة والقوّة» (  Elitta & Iarba’al : Elissa & Iarbas : l’hymen de la ruse et de la force, récit, Paris, l’Harmattan, 2006.)، نشرتها كذلك بدار أرماتون، أصبحت «أسماء حرّوش» من الكاتبات التّونسيّات الفرنكفونيّات اللاّتي سجّلن أسماءهنّ في الذّاكرة الأدبيّة التّونسيّة، دون أن تصبح شهيرة من بين «الشّهيرات التّونسيّات». فالمعلومات عن سيرتها شحيحة متكتّمة، ولا تتجاوز من حيث الكمّ ما ينبغي ذكره رسميّا في السّيرة المهنيّة. ورغم حصولها مرّتين على جائزة «زبيدة بشير» (سنة 1999 و 2003) لم يكتب عنها إلى حدّ الآن شيء لا في تونس ولا في خارجها، ولا أثر لها في المكتبة الوطنيّة. وقصارى ما يمكن الوصول إليه هو بعض الإحالات النّادرة على رواية من رواياتها استخدمت في هذا المقال أو ذاك بوصفها مرجعا تاريخيّا يضيء بعض الوقائع أو أصول الأسماء المنسيّة. (انظر مقال ناصر بن شيخ حيث أحال على رواية «مرابطون»، 

Naceur Ben Cheikh, « Peindre à Sfax: Utopia Street», note (2), https://www.naceur.com/peindre-a-sfax-utopia-street 

ومقال فيروز حميتوش حيث أحال على رواية «علّيسة ولرباص»،

Fairouze Hamitouche, «Le syndrome de l’histoire (I)», Le Matin d’Algérie, Le journal des débats et des idées, note (15), https://www.lematindz.net/news/23477-le-syndrome-de-lhistoire-i.html ).

ولعلّ ما شجّع على هذه الطريقة في التّعامل مع روايات «أسماء حرّوش» هو ذلك «التّمهيد» (Avant-propos) أو «التّقديم» (préface) الّذي كان يسبق سرد الأحداث في كلّ رواية ويبني مرجعها التّاريخيّ. فهو يتضمّن، من ناحية، معطيات تاريخيّة دقيقة تتعلّق بأنساب الشّخصيّات وأسماء عائلاتها وأصولها القديمة، ويكشف، من ناحية أخرى، ميل الكاتبة الفيلولوجيّ الّذي مكّنها، بفضل تكوينها اللّغويّ في الإغريقيّة خاصّة، من ضبط تاريخيّة الأسماء المتعلّقة بالأماكن والشّخصيّات والأشياء القديمة، واستقصاء تحوّلاتها اللّفظيّة عندما تنتقل من لغة إلى أخرى.  

وبفضل هذه الخلفيّة الأنتربولوجيّة الثّقافيّة، أمكنها أن تعيد كتابة بعض الصّفحات من تاريخ تونس المنسيّ على نحو روائيّ تخييليّ fictionnel باستحضار الماضي، وتوظيفه في تأثيث عوالم رواياتها الّتي بدت في النّهاية أقرب إلى «الرّواية العائليّة»، منها إلى «الرّواية التّاريخيّة»، وآية ذلك أنّ الأبطال في كلّ رواية، على تباعدهم الجغرافيّ والتّاريخيّ، قد تشابهت بداياتهم تشابها تمثّل في الانفصال عن عائلاتهم وأوطانهم الّتي أصبحت، لأسباب سياسيّة، أمكنة خطرة، صار من الضّروريّ استبدالها بوطن جديد، والاستقرار فيه.

تقصّ كلّ روايات «أسماء حرّوش» مغامرة هؤلاء الأبطال الّذين أتوا من بلدان و مدن مختلفة (المغرب، وبلنسيّة، وصور) ومن حقب تاريخيّة متفاوتة القدم، وبأسماء غيّرتها لغة الأرض الجديدة أو حرّفتها الذّاكرة (فـ»بنو سنجاس» هو تعريب لاسم قبيلة «سنداسن» البربري، مثلما أنّ سندوث أو سندوز sanduz هو صيغته الإسبانية. ومن الأمكنة شطّ ماريا Chott Maria  صار «شطّ مريم» نسبة إلى مريم العذراء la Vierge Marie الّتي ينتسب إليها «العذايريّة» قبل دخولهم إلى الإسلام في نهاية القرن 16). هؤلاء الأبطال القادمون من بلاد بعيدة هم «غرباء»، قد دفعوا إلى الرّحيل بسبب نبوءة، أو بإغراء رسالة، أو بسبب خطورة البقاء في عقر الدّار، فكان انتقالهم تارة جماعيّا مسلّحا كالمرابطين، أو سلميّا كعلّيسة، وطورا فرديّا كإسكندر سندوز الموريسكي الّذي استحثّته ابنته شمس وابنه ألونزو حتّى يغادر بلنسيّة.

وقد جعل قدومهم أرض تونس تبدو من الخارج مجالاً منفتح الحدود، وأحيانا بلا حدود، متهيّئًا لاستقبال الغريب كمقتحم على غرار المرابطين، أو كمقيم على غرار علّيسة، أو كمنفيّ على غرار عائلة سندوز الموريسكيّة. وفي كلّ رواية ينقلب الغريب إلى عون صانع للحضارة، فبمجرّد اندماجهم في الأرض الجديدة، يعيد الغرباء الوافدون بناء ما تدمّر، وتغيير أسلوب العيش، فالمرابطون الّذين خرجوا من المغرب المنقسم  بين 1578 و 1588 م قد فرّوا إلى تونس على دفعات، فوجدوا بلدا قد دمّرته الحرب والأوبئة وحصار الإسبان. من بين القادمين ثلاثة قوّاد وأطبّاء من أصيلي السّاقية الحمراء، قد جمعتهم قرابة الدّم والانتماء إلى قبيلة زواغة، وكانوا ينسبون إليها بتسمية المزوغي، وهم: عبد الحكيم المزوغي وعامر المسبوح ومحمّد بوعثمان، ساهموا منذ قدومهم في القرن السّادس عشر في تأسيس الكثير من القرى السّاحليّة كجمّال وقصيبة المديوني وأكودة وحمّام سوسة وسيدي بوعليّ وبوعثمان وبومرداس والقلعة الكبيرة وجبنيانة وسيدي علي الهاني وغنّوش والمطويّة وبوشمّة وبمبلة وقرى أخرى.        

كلّ هذا يؤكّد أنّ الرّواية عند «أسماء حرّوش» كانت بمثابة «رواية الأصول» roman des origines ابتدعت لتذكّر بأنّ المنسيّين لم يكونوا من «الغائبين عن التّاريخ» les absents de lhistoire، وإنّما كانوا من صنّاع أحداثه الكبرى. فاستحضار الماضي هو في الواقع محاولة لاستعادة التّوازن المفقود بين الذّاكرة والنّسيان. غير أنّها، في محاولتها تلك، كانت متأثّرة إلى حدّ مّا بزاوية نظر بعض المؤرّخين كجاك بيركJacques Berque ، الّذي كان ينظر إلى «المغرب» على أنّه «بلد لا يفعل شيئًا سوى أنّ يتّبع مصير من يرد عليه من الخارج الكبير، دون أن تكون له صورة محدّدة تخصّه». يؤكّد ذلك أنّ السّاكن الأصليّ الّذي مزّقته الحروب والأوبئة لا يظهر في الرّوايات الثّلاث إلاّ في صورة راع خائف أو صاحب مكان مكره على ضيافة المقتحم، أو مغلوب على أمره بالقوّة أو بالحيلة.

 

العادل خضر

 

تفاعل مع المنشور وشاركنا تعليقاتك

ابحث بالمجال
العلوم
الاجتماعيّة والقانونيّة
العلوم
التجريبيّة والطبيّة
الآداب
والفنون
الالتزام
والنّضال في الحياة العامّة
الحضارة
والتاريخ
تواصل معنا

اقترح شخصية

تواصل معنا

العنوان

شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية

البريد الالكتروني
directiongenerale@credif.org.tn
رقم الهاتف
0021671885322
Drag View Close play
0%