مجالات النشاط

• الالتزام والنّضال في الحياة العامّة

ولدت آسيا  غلاّب بمدينة ماطر يوم 20 مارس 1923 في عائلة أصيلة مدينة نابل، استقرّت بمدينة ماطر حيث كان الأب يشتغل في النجارة.

التحقت آسيا غلاّب بمدرسة فرنسيّة عند بلوغها السنة السّادسة من عمرها، بحكم إقامة العائلة بحيّ أوروبيّ في ماطر. وعلى الرغم من نتائجها المتميّزة كانت تشكو من سـوء معاملتها من طرف زميلاتها اللاّتي فرضن عليها نوعـا مـن العزلة لولا حسـن معاملة معلّمتها السيـدة جرمـان M^me Germain التي جعلتها تقبل على الدروس. في الوقت ذاته كانت تتردّد على الكتّاب لتنهل منه مبادئ اللّغة العربيّة والتنشئة الإسلاميّة والبعض من حضارتها.

ولمّا أكملت التّاسعة من عمرها رجعت العائلة إلى نابل فالتحقت آسيا غلاّب بمدرسة بوغدير للفتيات المسلمات حيث تلقّت، إلى جانب الدراسة العاديّة، تكوينا يدويّا كالشبكة والحياكة والطريزة... وأنهت دراستها بالحصول على شهادة ختم المرحلة الابتدائيّة. لكنّها لم تتمكن من مواصلة دراستها، تبعا لزواجها من ابن خالها سنة 1945.

بدأ نشاطها الوطنيّ سنة 1947 عند حضورها بصفتها نائبة عن الشعبة الدستوريّة بنابل اجتماعا دستوريا أشرفت عليه بشيرة بن مراد فلم تتردّد في القيام بجمع عدد من النّساء للمشاركة في هذا الاجتماع في ظرف سياسي واجتماعي صعب. وصل خبر هذا التحرك إلى المراقب المدني فأعلمها أخوها الذي كان شرطيا بصدور بطاقة تفتيش في شأنها وبتصنيفها في قائمة الشخصيّات المشبوهة. ولكنّها بادرت سنة 1950 بتأسيس فرع للاتحاد النسائي ترأسته وسيلة الرقيق، زوجة الهادي الرقيق المسؤول بالشعبة الدستورية بنابل، فيما كٌلّفت آسيا غلاّب بالكتابة العامّة. نشط هذا الفرع في ظروف صعبة وفي وسط محافظ ورغم ذلك تمكّنت آسيا غلاّب من تجنيد عدد هام من النّساء في هذا الفرع. وبدفع من القائد الكشفي الصفاقسي كوّنت آسيا غلاّب فرقة كشفيّة نسائيّة سنة 1951 ضمّت قرابة الثلاثين بنتا ينتمين في أغلبهن  إلى عائلات معروفة مثل فاطمة بشالي وفاطمة قرط. وقد شاركت هذه الفرقة، فرقة الغزالة، في مخيّم وطنيّ مختلط ببئر الباي. وكان هذا النشاط الكشفي فرصة لبثّ الوعي الوطني في الأوساط النسائيّة، ثمّ إنّ هذه التعبئة تواصلت من خلال التردّد على الزوايا وإلقاء الخطب، سواء في نابل أو في المعمورة ومنزل تميم وقليبية وقربة.

كما نظّمت هذه الفرقة استعراضا يوم غرة ماي 1951 بمناسبة اليوم العالمي للشغل تميّز بخروج الفتيات في زيّ فاجأ الشرطة والأهالي نظرا إلى غياب الحجاب وارتداء تنّورة وقميص، الشيء الذي عرّضهن الى نقد الأوساط المحافظة.

لم يمنع النشاط الكشفي آسيا غلاّب من مواصلة تحرّكها على مستوى الحزب الدستوريّ؛ فعند اندلاع أحداث جانفي 1952، كانت نابل من بين الجهات التي ساهمت في الاحتجاجات، ولمّا كانت المظاهرات حكرا على الرجال، تقرّر يوم 21 جانفي تشريك المرأة بتأطير من الاتحاد النّسائيّ، وكٌلّفت آسيا غلاّب مع مجموعة من الرجال بحمل لائحة تتضمّن مطالب الحزب الى القايد محمد العجيمي الذي نصحها بالتخلي عن المظاهرة خوفا عليها. إلاّ أنّها أصرّت على مواصلتها رغم ردود فعل الشرطة العنيفة التي قامت بحملة اعتقالات طالت الكثير من المشاركين وحتى غير المشاركين. وكان زوجها وأخوها من بين المعتقلين. وبعد أيام قليلة جاء دورها وألقي عليها القبض في منزلها وهي بصدد إرضاع ابنتها. وبعد مرورها بعدّة مراكز اعتقال كقرمبالية وسوسة ومارث وتطاوين حيث صنّفت كسجينة خطيرة تستوجب المراقبة عن قرب، نٌقلت الى رمادة حيث التقت بالزعيم بورقيبة الذي سألها عن سبب وجودها في المنفى فكانت إجابتها :«اللّي جابك جابني». وتعرّفت هناك على كل من شاذلية بوزقرّو وخديجة طبّال، ومن رمادة نٌقلت إلى محتشد  تبرسق، ثمّ قدّمت للمحاكمة بالمحكمة العسكريّة بالقصبة، وتمّ سجنها بالسجن المدني لمدة ثمانية أشهر تحوّلت إثرها الى نابل،  بعد الإفراج عن زوجها وأخيها، حيث واصلت أنشطتها السياسيّة والاجتماعيّة.

وعند عودة بورقيبة من فرنسا في غرّة جوان 1955 كانت آسيا غلاّب ضمن فرقة كشفيّة لاستقباله.

وعند انعقاد مؤتمر الحزب الدستوريّ بصفاقس في نوفمبر 1955 انتخبت آسيا غلاّب عضوا بالمجلس الملّي وهي أول امرأة تتبوأ هذه الدرجة. هذا، وبقيت آسيا في منصبها الوظيفي كمرشدة اجتماعيّة حتىّ سنّ التقاعد سنة 1983 وقد توفّيت في 28 جانفي 2017.

لقد برهنت آسيا غلاّب، منذ صغرها، عن نضج سياسي ووعي مرهف بالأوضاع الاجتماعية وخاصّة بوضع المرأة التونسيّة، وأدركت أهميّة خروجها للنشاط في الحياة العامّة رغم صعوبة الظروف، وقدّمت -في سبيل وطنها- جسيم التضحيّات.  

بشير اليزيدي