هي آسيا البجاوي حرم كندارة، من مواليد 23 نوفمبر 1938، أصيلة مدينة بنزرت، تنتمي إلى عائلة مناضلة نشأت على قيم حبّ الوطن والنّضال من أجل ضمان الحريّة والكرامة ممّا جعلها تهتمّ بالحياة السياسيّة في سنّ مبكّرة وتتوق إلى الاستقلال والتحرّر.
وهي أوّل امرأة تمثّل جهة بنزرت في مجلس النّواب وأوّل امرأة تترأس الاتّحاد الوطني للمرأة التونسيّة بجهة بنزرت وثاني قائدة كشفيّة بالجهة.
كانت بداية عملها النّضالي في إطار العمل الكشفي قبل أن تشهد انطلاقتها الحقيقيّة للمساهمة الفاعلة في الحركة الوطنيّة، وهذا ما جعل آسيا كندارة - وسنّها لا يتجاوز الـ 14 سنة - تلقي خطابا حماسيّا أمام الجماهير يوم 13 جانفي 1952، حين قدم الزعيم الرّاحل الحبيب بورقيبة إلى مدينة بنزرت. وقد انتظم هذا الاجتماع الشّعبي بساحة «البياصا» – ساحة 13 جانفي 1952 حاليّا، فإذا بالبنت آسيا تعتلي المنصّة للتّرحيب بالزعيم وتلقي كلمة حماسيّة تعرب له فيها عن استعداد كلّ أهالي مدينة بنزرت وخاصّة العناصر النسائيّة المشاركة في الذّود عن حمى الوطن وخوض معركة الاستقلال.
كما ساهمت آسيا البجاوي حرم كندارة في تأسيس أوّل شعبة نسائيّة ترأستها السيّدة زهرة سطا وبعضويّة كلّ من السيّدات فاطمة شقرون وحبيبة بن عمر، وكان من مهامّ هذا الهيكل شراء الأدوية وتوفير الأسلحة ليتمّ تزويد الثّوار والمقاومين بها قصد الوقوف في وجه الاستعمار وتحرير البلاد وذلك عبر القيام بعدّة أنشطة منها الفصالة والخياطة وبيع المنتوج. إضافة إلى ذلك انخرطت في العمل الإنساني، فكانت تعمل على تضميد جراح المقاومين ومداواتهم ضمن فرق حماية وعمل شبه طبّي إلى جانب تأهيل النّساء للمشاركة الفاعلة مع الرّجال في الدفاع عن الوطن. وقد تعرّضت بعض العناصر النسائيّة بسبب هذا النّضال إلى عدّة مضايقات من المستعمر، ومن بينهنّ السيّدة آسيا البجاوي التّي طردت من المدرسة بعد إيقافها بمركز الشّرطة لمدّة يوم وإهانتها.
وإثر الحصول على الاستقلال تمّ بعث أوّل فرع محلّي للاتّحاد القومي النّسائي الذي ترأسته على الصّعيد الوطني السيّدة راضية الحدّاد فكان الاختيار على آسيا كندارة لترأس الاتّحاد الوطني النّسائي بجهة بنزرت. ولكن نظرا إلى التحاقها بمدرسة تكوين المنشّطات والمرشدات الاجتماعيّات بتونس، تولّت المناضلة حلّومة حينين شؤون الفرع بالتّعاون مع المناضلة فاطمة شقرون إلى حين رجوع السيّدة آسيا كندارة إلى بنزرت سنة 1959 حيث باشرت عملها بجديّة إذ سهرت على تأهيل العناصر النسائيّة والارتقاء بها في شتّى مجالات الحياة العامّة، وبعثت فروعا محليّة للنّيابة تابعة للاتّحاد الجهوي ببنزرت وأحدثت مراكز لمحو الأميّة بمختلف الجهات فكانت من المساهمين والمساهمات في بناء الدّولة الوطنيّة الحديثة.
عملت السيّدة آسيا على الإحاطة بنساء الجهة وتمكينهنّ اقتصاديّا والعمل على مشاركتهنّ الفاعلة في عمليّة التّنمية وفي دفع حركة الدّورة الاقتصاديّة بالبلاد من خلال بعث مراكز للتّكوين المهني تتلقّى فيها الفتاة تكوينا نوعيّا فنيّا يتماشى وخصائص منطقتها من تطريز وخياطة ونسيج وفلاحة حيث تمّ إحداث الحدائق العائليّة لتحقيق الاكتفاء الذّاتي في مجال التّغذية، الخ..
كما سهرت على الإحاطة بالأمّ والأسرة في مجال الصحّة (التّلقيح ضدّ الأمراض المعدية ونشر مبادئ الصحّة الإنجابيّة وضمان الصحّة الجيّدة للأمّ والطّفل). ونظرا إلى أهميّة الدّور الذي قامت به المعنيّة بالأمر، نالت ولاية بنزرت جائزة رئيس الجمهوريّة في مجال الصحّة الإنجابيّة والتنظيم العائلي.
ولم تتخلّف آسيا كندارة عن تقديم يد المساعدة إلى نساء الجهة حتى يكنّ زوجات وأمّهات قادرات على الحفاظ على الأسرة باعتبارها وحدة متجانسة متكاملة تعدّ جيلا صالحا مساهما في بناء الدّولة حيث قامت بالتنقّل وبالاتّصال المباشر بالمرأة أينما وجدت وذلك عبر نشاطات مختلفة متمثّلة خاصة في الزّيارات الميدانيّة والحملات التوعويّة والاجتماعات والنّدوات لتقديم التوجيهات الصحيّة والاجتماعيّة بمشاركة أطبّاء ورجال تعليم ومسؤولين عن التّغذية (نذكر منها انتظام يوم في سجنان للتّعريف بالفوائد الغذائيّة للأسماك بحضور كلّ من مدير الدّيوان الوطني للصّيد البحري ومن رئيسة الاتّحاد الوطني للنّساء آنذاك راضية الحدّاد..).
وقد تواصل عمل آسيا كندارة النّضالي إذ لعبت دورا هامّا في معركة الجلاء الّتي اندلعت من 19 إلى 23 جويلية 1961 من خلال الدّور الذي قامت به مع عديد المناضلات في مجابهة الاستعمار كنقل السّلاح وتوزيع المناشير... ويبدو أنّ أوّل من استشهد في هذه المعركة امرأة تسمّى «حبيبة جباليّة»، وهي عضوة للاتّحاد القومي للمرأة التونسيّة تحدّثت عنها المناضلة راضية الحدّاد في كتابها «PAROLE DE FEMME» بالصّفحة 179 حيث ذكرت فيه أنّ أولى ضحايا المظاهرة كانت «حبيبة جباليّة». وشفعت ذلك بشهادات حول المظاهرة النسائيّة الّتي «نظّمها الاتّحاد القومي النّسائي التّونسي مع الحزب الاشتراكي الدّستوري يوم 20 جويلية 1961، وهي المظاهرة النسويّة السلميّة الوحيدة عالميّا التّي انعقدت تحت تهديد قذائف العدوّ بحضور آلاف النّساء من مختلف الأعمار والتّوجّهات (ملتحفات وسافرات) يطغى عليهنّ اللّون الأبيض الرّامز إلى السّلام، وكان عددهنّ يفوق عدد الرّجال. وهي مظاهرة خرجن فيها رافعات شعار: الجلاء.. السّلاح.. دون خوف، وكلّ اهتمامهنّ الاستقلال مهما كان الثّمن.
كمــا جــاء فــي صفحـــات الكتــاب: 148– 152
La bataille de Bizerte : 19-23 juillet 1961, le sacrifice, Tunis 2020.
من كتاب توفيق عيّاد، وما لفت الانتباه يوم المظاهرة، حسب إحدى الشّهادات، سيّدة مسنّة (يبدو أنّها أمّ زوج الشّهيدة حبيبة جباليّة) كانت في حالة هستيريّة تريد حماية شابّة وإخراجها من المسيرة مهدّدة إيّاها بالطّلاق إن لم تمتثل لأوامرها وتغادر المكان، وكانت تجذبها من لحافها (السّفساري) الّذي سقط. ولم تعر الشّابة الّتي كان يبدو من خلال مظهرها أنّها عروس- وذلك لزخرفة الحنّاء على يديها المزركشتين بالخضاب الأسود- أيّ اهتمام بذلك، بل لقد واصلت بكلّ حماس مسيرتها نحو لاباشوري LA PECHERIE، ورفضت الامتثال لأوامر السيّدة المسنّة المتعلّقة بلحافها (السّفساري). وقرب المبنى الخاصّ بعائلات الجيش الفرنسي، كانت هنالك نوافذ مفتوحة اندلعت منها طلقات ناريّة متتالية مسّت المتظاهرين والمتظاهرات وأوّلهنّ الشّهيدة حبيبة جباليّة، التّي كانت أوّل من سقط أرضا ولفظت أنفاسها قبل التمكّن من إسعافها لغزارة تدفّق الدّماء من رقبتها. ودعم ما تقدّم شهادة المناضلة آسيا كندارة الّتي شاركت بصفة فعليّة في التّنظيم والتّظاهر، والتّي قالت «كنّا قويّات عازمات مصمّمات وكان عدد هامّ من النّساء ملتحفات بالسفساري فطغى على الفضاء اللّون الأبيض الرّامز إلى السّلام والّذي كان الفرنسيّون جاهلين برمزيّته فلم يعيروه أيّ انتباه... وكنّا رافعات شعار: الجلاء.. السّلاح... وكانت تدفعنا للتّقدّم إرادتنا تحرير بنزرت».
وصرّحت آسيا كندارة بخصوص استشهاد حبيبة جباليّة قائلة : «إنّ زوج المعنيّة توجّه إليها قبل مدّة من تنظيم المظاهرة كي تثنيها عن المشاركة فيها واستجابة لمطلبه التمست منها قبل التّظاهر عدم الحضور باعتبار حداثة زواجها فأعربت حبيبة جباليّة عن رفضها بكلّ حماسة، ونتيجة لموقفها طلبت منها الحضور في الصّفوف الأخيرة مع الملحّفات بـ «السّفساري» ولكنّها أصرّت على موقفها بكشف رأسها وصدرها ولتبيّن عزمها أن تكون في الصّدارة.... وكانت، على غير عادتها بلا حجاب متواجدة في الصّفوف الأولى بين النّساء غير الملحّفات»، علما وأنّ المناضلة آسيا كندارة لم تكن على علم بأنّ سبب ذلك هو قيام والدة زوجها بجذبها من السّفساري كي تثنيها عن المشاركة في المسيرة، وكانت متحمّسة فلم تعر لسقوطه أيّ اهتمام وواصلت التّظاهر.
وكان باب لابشوري LA PECHERIE بعيدا حتّى لا يقع اتّهام المتظاهرات والمتظاهرين بتهديد مقرّات القواعد العسكريّة... ولم تتفطّن إلاّ إلى الطّلقات النّاريّة المفاجئة والمتواترة والتّي كنت أجهل بصدق مصدرها ولكن كانت توحي لقوّتها بتواجدنا في معمل خياطة. وكنّا مخدّرات وغير واعيات بما يحدث حولنا، إذ لم نصدّق ما كنّا نراه ونسمعه، فكيف يمكن للفرنسيّين التّجرّؤ على إطلاق النّار على نساء تونسيّات مسالمات وغير مسلّحات؟ ».
كما جاء على لسان آسيا كندارة أنّ حبيبة جباليّة استشهدت وهي عروس لاتزال تحمل آثار زواجها الحديث على يديها ووجهها وكانت أوّل من سقط وأوّل امرأة دفعت دمها ثمنا لتحرير بنزرت.
كما كانت للمناضلة آسيا كندارة مساهمة فعّالة في النّشاط الكشفي ببنزرت في وقت كانت البلاد ترزح فيه تحت الاستعمار الفرنسي حيث قامت بتكوين قسم الفتيات الّذي أصبح نشاطه مشتركا مع قسم الأشبال مع القائدة علياء ببّو. وقد كانت مساهمتهما إيجابيّة في تنشيط قسم الفتيات والمشاركة في مخيّم القائدات بعين دراهم بقيادة راضية بالخوجة. ومن النّاشطات في قسم الفتيات: سيدة شعشوع ونعيمة الزّرعي ونزيهة الزّرعي وجميلة بن رمضان ونجيبة شوشان وجليلة الرّفرافي. وقد شارك قسم الفتيات، تحت إشراف كل من القائدة علياء ببو والمناضلة آسيا كندارة، في المعرض الكشفي الّذي أقيم في ساحة «قاري بلدي» وتمّيز نشاطه بإقامة أجنحة تشتمل على معروضات من البراعة اليدويّة الرّقيقة ذات الطّابع الأنيق المتميّز. كما نظّم قسم الفتيات الحفلات والمعارض من أجل توفير الإمكانيّات الماديّة لهذا الإقليم وتحسين حالته الماليّة : من ذلك الحفل النسائي بقاعة سينما الكوليزي ببنزرت، وحفل آخر ساهر بقاعة سينما كازينو أحيته فرقة الرشيدية وحفل ساهر بقاعة بلدية بنزرت. وكانت للعناصر الكشفيّة مساهمة فعّالة في معركة الجلاء تستحقّ الذّكر والتّنويه بتميّزها بالصّمود والشّجاعة واليقظة والانضباط.
وتمثّل آسيا كندارة علاوة عن هذا كلّه نضال نساء ولاية بنزرت من خلال حضور النّدوات واعتلاء منابر الحوار ومواكبة سير الأحداث الوطنيّة والنشاط في صفوف الحزب الاشتراكي الدّستوري مع مجموعة من نساء الولاية ممّا من شأنه أن يعبّر عن النّضج والوعي السّياسي.
وقد توفّيت المناضلة المرحومة آسيا البجاوي حرم كندارة يوم 10 مارس 2018. واعترافا بنضالاتها ومساهمتها في بناء دولة الاستقلال، تمّ تخليد ذكرها وذلك بإطلاق اسمها على أحد شوارع حيّ الصحّة بمدينة بنزرت تزامنا مع ذكرى عيد الشّهداء.
ثريّا بالكاهية
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية