ولدت شاذليّة بوزقرّو يوم 28 ماي 1917 بمدينة المنستير وسط عائلة عريقة ومتعلّمة ذات أصول تركيّة؛ فقد درس والدها علي بوزقرّو بجامع الزيتونة حيث أحرز على شهادة التطويع وتعرّف على أحد أفراد دفعته، الأمير أحمد (1862-1942) الذي سيحكم البلاد لاحقا تحت مسمّى أحمد باي الثاني (1929-1942) فتوطّدت علاقته به، وهو ما مكّنه من الدخول في خدمة المخزن ككاتب بإدارة العمل بالمنستير مع القايد مصطفى بن عصمان، الذي سيتّخذه كاتبا خاصّا له. لذلك كانت شاذليّة كثيرة التنقّل مع والديها وشقيقتيها سعيدة ومنجيّة وشقيقها امحمِّد بين المنستير و المهدية وتونس العاصمة...
تشكّل الوعي السياسي لدى شاذليّة بوزقرّو مبكّرا تحت تأثير خالها المحامي والزعيم الحبيب بورقيبة، الذي كانت تربطه بوالدتها ناجية علاقات متينة تعود إلى طفولته، حيث أشرفت على تربيته إثر وفاة أمّه(1913) ثمّ والده (1917)، وهو لا يزال تلميذا بالمدرسة الصادقيّة. كان بورقيبة يزور العائلة باستمرار وخلال هذه الزيارات كان حديثه مركزا على «فرنسا وظلمها واستبدادها...» و «ضرورة تخليص تونس من الاستعمار...» و «من أجل هذا الوطن يجب أن نضحّي...». وقد كان لهذه البيئة الوطنية التي حفلت بالأحداث السياسية تأثير عميق على مسيرة الفتاة.
درست شاذليّة بمدرسة البنات بالمنستير، وكانت ذكيّة ومتفوّقة؛ لكنّها مُنعت تحت تأثير عمّتها من مواصلة الدراسة. غير أنّ معلّمتها ومدير المدرسة توصّلا إلى اتفاق مع والدها بأن تواصل معلمتها الفرنسيّة تدريسها بالبيت، ثمّ أنها أقنعته بإرجاعها إلى المدرسة ثانية، حيث تحصّلت على الشهادة الابتدائية بتفوّق عن عمر لم يتجاوز 11 سنة.
وبحكم محافظة الوسط العائلي، فقد تقرّر حرمانها من التعليم الثانوي. غير أنّ ذلك لم يمنعها من مواصلة تحصيلها العلمي بصفة ذاتية من خلال مطالعة الكتب وخاصة الصّحف العربية والفرنسيّة للاطلاع على مستجدات الساحة السياسيّة، لا سيّما بعد انعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب الحرّ الدستوري الجديد بقصر هلال في 02 مارس 1934 ونشأة الديوان السياسي، الذي أصبح بموجبه خالها الحبيب بورقيبة كاتبا عاما له. لذا انخرطت رسميّا في الحزب. ووقع تكليفها ببعض المهام السياسية الدقيقة بالمنستير وبجهة الساحل ثمّ بتونس العاصمة بعد استقرارها نهائيا بها منذ زواجها في جويلية 1933.
ولمّا توفّي والدها علي بوزقرّو أصبحت شاذليّة تتحمل مسؤولية إخوتها الثلاثة رغم صغر سنها، فكانت تخرج مع العملة لجني الزيتون ثمّ تذهب لبيعه أو عصره بمعيّة صديق والدها... وقد مكّنها دخولها معترك الحياة العامة بصفة مبكرّة من شحذ شخصيّتها واكتساب صفات الجدّية ورباطة الجأش و الصلابة.
تزوّجت شاذليّة من محمّد الصالح نعمان في جويلية 1933 عن عمر 16 سنة. وأنجبت منه ابنيْن هما أحمد (سنة 1935) وعلي (سنة 1937) وبنتا، فائزة، (سنة 1947). وكان زوجها يعمل في البحرية بمدينة فيريفيل (منزل بورقيبة اليوم) ؛ لكن ما إن صاهر بورقيبة، حتى تمّ فصله عن العمل فاضطرّت العائلة إلى الانتقال إلى تونس حيث أصبح زوجها يعمل في تجارة القماش.
كان اعتقال الزعيم الحبيب بورقيبة وجماعة الحزب الدستوري الجديد وعديد الوطنيّين من حساسيات سياسيّة مختلفة في خريف 1934 حافزا لدخول شاذليّة بوزقرّو الساحة السياسيّة من بابها الواسع؛ ومن ثمّ ركّزت عملها على الدعاية ونشر الوعي الوطني في الوسط النسائي من خلال العمل على تشريك النساء في النضال والاجتماع بهنّ كلما أتيحت لها الفرصة في البيوت والزوايا و خلال الأعراس ومواكب العزاء.
هذا، وانخرطت شاذليّة بوزقرّو في أول جمعيّة نسائّية تونسيّة: «الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي» تأسّست على يد بشيرة بن مراد منذ سنة 1936. وقد كُلّفت بالإعلام فكانت تتولى الدعاية للإضرابات والمظاهرات وتقوم بشرح تفاصيلها شحذا للهمم وإذكاء الروح الوطنية، لا في صفوف النساء فقط، بل وكذلك في أوساط الرجال لإقناعهم بضرورة المشاركة في الكفاح الوطني. فقد كانت ترتدي السفساري وتذهب إلى المقاهي لتصيح في وجه الرجال قائلة:«ماذا تفعلون هنا؟... انهضوا....» !
وفي يوم 8 أفريل 1938 شاركت شاذليّة بوزقرّو في تأطير العنصر النسائي وتجميعه سعيا إلى مساندة المتظاهرين، خاصة عندما احتدم الصراع مع البوليس الفرنسي. وبمجرّد سجن خالها الحبيب بورقيبة وجماعته إثر أحداث 09 أفريل الدامية قرّرت شاذليّة عدم إغلاق مكتبه وتعهدت بسداد معلوم الكراء.
وبمناسبة حفل الاستقبال الذي انتظم يوم 22 نوفمبر 1938 بميناء تونس عند قدوم المقيم العام الجديد «إيرك لابون» إلى تونس، نظمت شاذلية بوزقرّو مع زكية وجميلة الفوراتي مظاهرة رَفَعْنَ خلالها شعارات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين وهَتَفْنَ باسم الباي والدستور وبورقيبة… وقد حوكمْنَ في 28 ديسمبر 1938 بتهمة «التظاهر في الطريق العام ورفع شعارات مناهضة للدولة الحامية»...، لكنّ المحكمة برّأت ساحتهنّ.
وبمناسبة قدوم رئيس الحكومة الفرنسيّة، «إدوارد دالاديي «Edouard Daladier»، إلى تونس يوم 03 جانفي 1939، نجحت مع بعض النساء في التسلّل إلى موكب رئيس الحكومة والمقيم العام وهتفت في وجههما قائلة بالفرنسية Vive La Tunisie, vive Bourguiba؛ كما أنشدن النشيد الوطني التونسي وطالبن بإطلاق سراح معتقلي مظاهرة 9 أفريل 1938، فحدثت مواجهة بين النساء المتظاهرات وقوّات الأمن الفرنسيّة وحصل كرّ وفرّ بينهما انتهى باعتقالها بباب سعدون رفقة الكثير من النساء وإحالتهنّ على المحكمة. وفي يوم الجلسة حضر عدد غفير من التونسيّين نادوا بحياة المرأة التونسيّة وحياة بورقيبة... فصدرت في حقّها وحقّ رفيقاتها أحكام بالسجن تراوحت بين 15 يوما وشهر. وعند خروجهنّ من السجن يوم 03 فيفري تمّ استقبالهنّ أمام الباب بالتصفيق و الزغاريد.
وأمام وصول القضيّة الوطنية إلى مأزق وتعثّر المفاوضات سنة 1950، ولغاية إعطاء دفع جديد للعمل الوطني ، توجّهت نيّة الزعيم بورقيبة إلى بعث شعبة دستورية نسائية للحزب بالعاصمة كانت شاذلية بوزقرو من بين مؤسّساتها؛ وأمام عدم تجاوب السلطات الفرنسيّة مع مطالبة طلبة جامع الزيتونة بإصلاح التعليم بمؤسّستهم وتحسين ظروفهم المادية والأدبية، شاركت شاذليّة في إضراب الجوع الذي خاضه طلبة الجامع المعمور في أواخر سنة 1951 بدعم من الحزب.
واستعدادا للمواجهة بين الوطنيين والاستعمار هيأت شاذلية بوزقرّو نفسها مع رفيقاتها للاحتجاج على المقيم العام الجديد «جون دي هوت كلوك» Jean de Haute Cloque يوم 13 جانفي 1952، بالتظاهر في قرطاج أمام قصر الباي.
ثم تحوّلت شاذليّة بوزقرّو صباح يوم 15 جانفي 1952 إلى باجة مع وفد من الشعبة النسائيّة الدستوريّة بالعاصمة ضمّ 17 عضوة عقدن اجتماعا بنادي الشعبة الدستورية بالمكان ألقت خلاله خطابا استعرضت فيه أطوار القضية التونسيّة ومراحلها. وبانتهاء الاجتماع انتظمت مظاهرة شارك فيها عدد كبير من نساء ورجال باجة. لكن السلطات الفرنسية قامت بإيقاف كامل أفراد الوفد النسائي وحققت معهنّ ثم نُقل الجميع إلى مدينة بنزرت لإحالتهن على المحكمة الفرنسيّة بها ولكّنها برأتهنّ.
وبعد اندلاع المقاومة المسلّحة في تونس إثر مؤتمر سيدي محرز السرّي 18 جانفي 1952 الذي شاركت فيه شاذليّة بوزقرّو، قامت بأدوار عديدة مثل المشاركة في مظاهرتي 15 فيفري 1952 أمام الإقامة العامة و 8 مارس 1952 بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة. لذلك أوقفت وأرسلت إلى محتشد تبرسق، وفي 26 مارس تمّ تحويلها إلى محتشد رمادة مع الزعيم بورقيبة. وفي سنة 1954 أعطى الطيّب المهيري تعليماته إلى كل من الشيخ حسن العيادي عبر المناضلة شاذلية بوزقرّو باغتيال العقيد «ريني- دي بينوا دي لا بايّون» (René De- Benoit De La Paillonne) بسبب مشاركته في إدارة المنظمة الإرهابية الاستعمارية «اليد الحمراء» وإشرافه على عملية اغتيال فرحات حشاد يوم 5 ديسمبر 1952. وقد تمّت عملية التصفية يوم 24 جويلة 1954 من طرف المقاوم الجزائري محمّد اليعقوبي الذي أقام ببيت شاذلية بوزقرّو بالمدينة العتيقة قبل تنفيذ العمليّة.
وفي ديسمبر 1955 شاركت في اجتماع نسائي ضمّ حوالي 300 امرأة، شكّلن وفدا لتسليم عريضة للوزير الأكبر الطاهر بن عمّار ونائب وزير الداخلية أحمد المستيري مطالبات بحقوقهنّ المدنية والسياسية بالتساوي مع الرجل وبتمكينهنّ من الحق في الانتخابات وإسناد وزارة إلى امرأة وإحداث مجلس قومي أعلى للمرأة، وهي مطالب حداثية واستباقية باعتبار أنها متحرّرة من كل مرجعيّة دينيّة للمجتمع قياسا بالثقافة والعقليّة السائدتين حينئذ.
هذا، وشاركت شاذليّة بوزقرو في المؤتمر الخامس للحزب الدستوري المنعقد بصفاقس بين 15 و19 نوفمبر 1955 لحسم الخلاف بين الزعيمين الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف حول الاستقلال الداخلي. وفي أعقاب المؤتمر انتُخبت بالمجلس الملّي للحزب من بين 30 عضوا. كما أعيد انتخابها بذات المجلس في المؤتمر السادس للحزب المنعقد بسوسة (1959).
مع مطلع الاستقلال انفصلت عن زوجها وتزوجت ثانية سنة 1959 من الدستوري ومساعد المقاوم محجوب بن علي، علي صنديد (أصيل قلعة الأندلس) وأنجبت منه بنتا وحيدة تدعى لطيفة (1961).
في الأثناء، تركّز نشاطها رفقة المناضلات الدستوريات على توحيد الجمعيات النسائية في اتحاد قومي وحيد. وبعد اتصالات بينها وبين شقيقتها سعيدة، وفتحية المختار – مزالي، وراضية الحداد، وعائشة بلاّغة، وأسماء بلخوجة -الرباعي، نشأ رسميا الاتحاد القومي النسائي التونسي يوم 26 جانفي 1956. وأُسندت رئاسته الشرفيّة إلى وسيلة بن عمّار. و إثر زواج وسيلة من الحبيب بورقيبة في 12 أفريل 1962 أصبح الاتحاد في قبضة سيّدة قرطاج. وكان من الطبيعي ولعدة أسباب أن يحصل الصدام بين بنات بوزقرّو وبنات بن عمّار (نائلة وابنة عمها راضية بن عمّار- الحداد)، وأن يلقي هذا الصدام بضلاله داخل الاتحاد وخارجه، فآثرت شاذليّة الابتعاد عن المنظمة النسائية، مع الاحتفاظ بعضويتها باللجنة الاستشارية. وإثر ابتعادها عن الاتحاد القومي النسائي، اقتصر دورها على العناية بقدماء المناضلات بالتوسط لهنّ لدى الحزب والدولة عبر «هيئة المقاومين والمناضلين» للحصول على مهنة أو على خدمة اجتماعية.
وفي يوم 03 ماي 2005 وافاها الأجل، وبتوصية منها دُفنت بمقبرة الإمام المازري بالمنستير.
عادل بن يوسف
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية