مجالات النشاط

• الالتزام والنّضال في الحياة العامّة

ولدت شريفة المسعدي بحومة السوق بجربة (ولدت لأب جزائري الأصل ينتسب إلى عائلة الملياني التي لجأت إلى تونس سنة 1830 فرارا من الاستعمار الفرنسي للجزائر، اللجنة الثقافية القومية، أربعينية الفقيدة شريفة المسعدي، تونس، 1990. (غير مرقمة) سنة 1908 وتوفيت يوم 20 جويلية 1990، «تلقّت دراستها الابتدائيّة في مدرسة نهج المرّ العربيّة الفرنسيّة بتونس، ودراستها الثانويّة بمدرسة بول كامبون ومدرسة نهج روسيا للفتيات الفرنسيّتين وتخرّجت بشهادة التأهيل للتعليم الابتدائي بالفرنسيّة»( اللجنة الثقافية القومية، أربعينية الفقيدة شريفة المسعدي، تونس، 1990)، بدأت حياتها المهنيّة في خطة معلّمة منذ سنة 1947، حيث تولّت التدريس بعدة مراكز من بينها صفاقس ونابل ثم تونس بمركز التكوين المهني للفتيات بباب الجديد(الدو القايد (السيدة)، منارات الفجر تونسيات على درب النضال 1900-1956، تونس، مطبعة التسفير الفني، 2006، ص 295). ثمّ واصلت دراستها العليا «بمعهد الدراسات العليا بتونس وارتقت إلى درجة أستاذة مساعدة للفرنسيّة؛ وسمّيت مديرة للمدرسة الإعداديّة للفتيات بباب الجديد (1958-1968)، ثم متفقّدة مساعدة للتعليم الثانويّ (1963-1969)»(اللجنة الثقافية القومية، أربعينية الفقيدة شريفة المسعدي...، المرجع المذكور)، وهي تعدّ بذلك «من أوائل التونسيات اللاَتي تمتعن بالترقية المهنية وتحرّرن بفضل المدرسة» (محفوظ دراوي(درة)، النساء التونسيات...، المرجع المذكور، ص 33). تمكّنت شريفة المسعدي بفضل هذه المؤهلات من خوض تجربة مهنيّة ونقابيّة هامّة، إذ انتمت إلى سلك التعليم، واضطلعت بدور الكاتبة العامّة لنقابة التعليم التقني والمهني من 1947 إلى 1968، كما كانت عضوا بمكتب الفدرالية الوطنيّة للتعليم.(محفوظ دراوي (درة)، النساء التونسيات...، المرجع المذكور، ص 33)

يعتبر حضورها على المستوى النقابيّ من أبرز مظاهر أنشطتها الوطنية، فقد انضمَّت إلى الاتحاد العام التونسيّ للشّغل مبكّرا، وكانت أوّل امرأة تونسيّة تترأس مؤتمرا للمركزيّة النقابيّة التونسيّة وترتقي خلاله إلى عضويّة الهيئة الإداريّة (المكتب التنفيذي حاليا) وذلك سنة 1951.(بلهادي (عبد المجيد)، الاتحاد العام التونسي للشّغل في الجهات 1946-1957 أضواء على الهياكل وقضايا العمّال، تونس، منشورات الاتحاد العام التونسي للشغل، 2020، ص 37)

ونظرا إلى موقعها المتقدّم في إطار الهياكل النقابيّة تصفها بعض الدراسات كما يلي: «سنة 1951 انتخبت شريفة المسعدي عضوا بالمكتب التنفيذي وبقي هذا الحدث فريدا لمدة ثلاثة أرباع قرن، إذ انتمت إلى الهيأة الإدارية لمدة ثلاث سنوات عندما كان فرحات حشاد كاتبا عامّا لها، فكانت المرأة الوحيدة في الاجتماعات العامّة، كما تبيّنه صور تلك الفترة وصحفها. وكانت لا تتردّد في أخذ الكلمة خلالها، كما كانت المرأة الوحيدة في مسيرات غرّة ماي والمظاهرات العامّة ممّا دعا فرحات حشاد إلى الثناء على شجاعتها وقدرتها على تسيير النقاشات، قائلا فيها قولا صار شهيرا: «الرجل الوحيد في هذا المؤتمر امرأة». هذا، وتعتبر شريفة المسعدي أول امرأة قياديّة نقابيّة في العالم العربيّ. (محفوظ دراوي (درة)، النساء التونسيات...، المرجع المذكور، ص 37)

تعرّضت شريفة المسعدي جرّاء نشاطها النقابي إلى الاعتقال يوم 7 ديسمبر 1952 إثر اغتيال فرحات حشاد وإيقاف بقية النقابيين، وقد «التجأت السلطة الاستعمارية إلى الحيلة لإبعادها عن النشاط النقابي فزعمت بأنها تعاني من انهيار عصبي وأدخلتها لمدّة شهرين إلى المستشفى العسكريّ «الخرّوبة» ببنزرت، ثم وقع إبعادها إلى قبلّي بسبب احتجاجاتها داخل أسوار المستشفى. وهناك التحقت برفاقها من الهيأة الإدارية، ومنهم زوجها محمود المسعدي.» (محفوظ دراوي (درة)، النساء التونسيات...، المرجع المذكور، ص 34)

ساهمت شريفة المسعدي في المعركة التحريرّية الوطنيّة من خلال دورها في «جمعية الهلال الأحمر إلى جانب الشاذلي زويتن والحبيب الجلّولي وعبد القادر ببو وغيرهم حيث كانت تتولّى بصورة تطوّعيّة تسيير مصلحة تعنى بمساعدة منكوبي الحرب العالمية الثانية» (السيدة شريفة المسعدي في ذمة الله، الصباح، 21 جويلية 1990). وكانت لها مساهمات اجتماعيّة أخرى إذ تعتبر «من أبرز المؤسّسين في سنة 1950 «لجمعية التعاون القومي للتعليم العمومي» التي ترأستها وأدارتها طيلة ما يزيد على 25 سنة...وبعد إحالتها على التقاعد ترأست مدة 7 سنوات «الجمعية النسائيّة الرياضية»...(اللجنة الثقافية القومية، أربعينية الفقيدة شريفة المسعدي...، المرجع المذكور.).

أحرزت شريفة المسعدي بفضل دورها النضالي على المستويين الوطني والاجتماعي «على عدة أوسمة من بينها وسام الاستحقاق الثقافي ووسام الاستقلال سنة 1975 ووسام الجمهورية سنة 1964، كما نالت من المنظمة الشغيلة الميداليّة الذهبيّة للشّغل تكريما لها ولنشاطها الدائب في الميادين التربويّة والاجتماعيّة والنقابيّة» (السيدة شريفة المسعدي في ذمة الله...، المرجع السابق.).

 عبد المجيد بلهادي