0 Loading ...

موسوعة النّساء التّونسيّات موسوعة النّساء التّونسيّات

آمنــة حشّــاد

[1930-2018]
مجالات النشاط
  • الالتزام والنّضال في الحياة العامّة

هي آمنة بنت أحمد بن أحمد حشّاد وبنت فطومة بنت حسين عاشور. ولدت بقرية العبّاسية من جزيرة قرقنة يوم 23 أفريل 1930. عُرفت آمنة منذ طفولتها بجمالها الفيّاض وقامتها الهيفاء ورشاقة جسمها وخاصّة بعينيها الزرقاوينِ الجذّابتينِ. إلا أنّها عرفت اليتم مبكّرا، حيث لم يعمّر والدها سوى خمسة أشهر بعد ولادتها. و«لدرء الشرّ» أطلق عليها اسم أمّ الخير منذ شهرها السادس. ومع ذلك عاشت الفقر والحرمان مع أخويها إبراهيم ومحمّد، لكنّ كفالة والدتهم وتماسك المجتمع المحلي بقرية العبّاسية، لا سيّما زمن الشدائد ساعد آمنة وشقيقيْهَا على تجاوز محنة اليتم.

وخلافا لوالدها أحمد و شقيقيْهِ منصور ورابح، تحوّل عمّها محمّد إلى البرابشة (التي تبعد عن العبّاسية  بحوالي نصف كيلومتر) للعيش مع جدّته حيث استقرّ نهائيا وتزوّج من هناء بن رمضان التي أنجبت له ستة أبناء وبنتا، كان من بينهم فرحات حشّاد المولود يوم 02 فيفري 1914. وشاءت الصّدف أن يغادر هذا الشاب المتعلّم الجزيرة في اتجاه مدينة سوسة بحثا عن عمل بعد حصوله على شهادة ختم الدروس الابتدائية سنة 1929، وهناك عاش مع خاله حسن بن رمضان بحيّ القراقنة بوادي الخرّوب بعد ظفره بخطة قاطع تذاكر بالشركة التونسيّة للنقل بالسيّارات بالساحل «الستاس» (S.T.T.A.S).

وفي سنة 1940، وبمناسبة تردّده على الجزيرة صيفا لزيارة الأهل، تعرّفت آمنة على فرحات عن قرب وهي ابنة العاشرة، وهو ابن السادسة والعشرين. ورغم قصر اللقاء بين أبناء العمّ (حوالي أسبوعين) فقد كان ذلك كافيا ليتعلّق فرحات بابنة عمّه. وأثناء حلوله ثانية بالجزيرة بعد سنتين، لقضاء عطلته الصيفيّة، وقد أصبح مستكتبا، بعد اجتياز مناظرة بإدارة الأشغال العامّة بصفاقس، طلب يد أمّ الخير، وذلك إثر فشل زواجه الأوّل والقصير من هنيّة بنت حسين المبروك وفراقهما بالتراضي دون أبناء. وفي السنة الموالية، أي سنة 1943 تمّ الزواج بعقد الحفلة حسب ما هو معمول به في أعراف الجزيرة.

غادرت العروس آمنة حشّاد الجزيرة وهي لم تبلغ بعدُ أربعة عشر حولا لتستقرّ رفقة ابن عمّها وزوجها في بيت كان قد تسوّغه للغرض بحيّ العذار الشعبي. وبعد نجاح فرحات حشّاد في بعث اتحاد النقابات المستقلّة بالجنوب في 06 نوفمبر 1944، تحوّل مع أسرته الصغيرة إلى تونس ليؤسّس اتحاد النقابات المستقلة بالشمال في مطلع سنة 1945 بعد أن أنجب ابنه البكر، نور الدين حشّاد في 22 جويلية 1944.

حلّت آمنة رفقة زوجها وابنها بالحاضرة حيث استقرّت ببيت على وجه الكراء بنهج المستيري بحيّ الحلفاوين. وبهذا البيت ولد ابنهما الثاني الناصر حشّاد يوم 12 ماي 1947. ورغم صغر سنّها وبُعدها عن أهلها بجزيرة قرقنة وصفاقس وغياب زوجها كامل اليوم، تمكّنت آمنة من أن تصبح ربّة بيت مثاليّة. لقد كانت مشاغل فرحات حشاد النقابية كثيرة ودقيقة، ولكنها لم تجد منه سوى التفهّم والمساعدة والتشجيع على تعلّم شؤون البيت وتربية الأبناء وفقا لمناهج عصريّة. وقد ساهم تفهّم زوجها لظروفها على تمتين علاقة الحبّ بين الزوجين، فوقفت آمنة إلى جانبه في مهامّه النقابيّة الجديدة منذ تأسيسه للاتحاد العامّ التونسي للشغل في 20 جانفي 1946.

وبعد إقامة قصيرة ببيت آخر بضاحية صلامبو، شدّ الزوجان وابناهما الرحال نهائيا إلى الضاحية الجنوبيّة للعاصمة حيث استقرّوا ببيت على وجه الكراء بنهج بئر الطرّاز بمدينة رادس. كان البيت بسيطا في مظهره لكنه كبير بدوره الوطني ورمزيّته التاريخيّة إلى اليوم.

وبعد فشل تجربة التفاوض الثانية مع الحكومة الفرنسيّة وايقاف قادة الحزب الدستوري الجديد بسبب تبنّيهم المقاومة المسلّحة في المؤتمر السرّي للحزب المنعقد بزنقة سيدي محرز يوم 18 جانفي 1952، تولّى فرحات حشّاد قيادة الحركة الوطنية بكلّ رصانة واقتدار وفي إطار السريّة التامة. ولكن ظروف المواجهة مع الاستعمار حوّلته إلى عدوّ لغلاة الاستعمار، لا تفارق تحرّكاته واتصالاته عيون المخبرين وأعوان الإدارة الاستعماريّة في أعلى مستوياتها، فوجد إبّان هذه المحنة من زوجته كلّ الدعم والمساندة النفسيّة والمعنويّة، سواء بالنصح أو بشحذ معنوياته ودعوته إلى عدم التأثر بالتهديدات والإشاعات المغرضة القاضية بتصفيته جسديّا. وفي ظلّ هذه الأجواء المشحونة بالخوف والرعب، تحمّلت هذه المرأة المقدامة بكل اقتدار غياب زوجها عن البيت والأبناء كامل اليوم وأحيانا لأيّام بسبب تنقلاته العديدة داخل المملكة بحجّة تفقّد الاتحادات الجهوية، ولكن في الواقع للاتصال برموز المقاومة المسلّحة وإعطائهم تعليمات قادة الحزب وتوفير المال والسلاح والعتاد لهم، خدمة للقضيّة الوطنية.

لكنّ عزم السلطات الاستعمارية على اغتيال حشّاد كان أقوى من دعم زوجته وشعبه له. وفي صباح يوم 05 ديسمير 1952 كانت الكارثة حيث طالته يد الغدر من طرف كومندوس قدم خصّيصا من باريس لتنفيذ مخطّطه واغتيال هذا الزعيم النقابي والقائد الوطني الفذّ، تاركا حرقة في قلب أمّ الخير التي لم تتجاوز عمرها 22 سنة، ولوعة في نفوس أبنائها الأربعة الذين لم يتخطّ أكبرهم ثماني سنوات، وفي ضمير كلّ التونسيّين وأنصار الحرّية والسلام بأكثر من بلد وعاصمة في سائر أنحاء العالم.

ورغم ضيق ذات اليد وضعف جراية زوجها، تولّت آمنة تربية أبنائها تربية مثالية مبنيّة على حبّ الوطن والوفاء للمبادئ والقيم الإنسانية النبيلة وخاصّة أن يكونوا خير خلف لوالدهم.  وقد وجدت أرملة شهيد تونس كلّ الدعم والعناية من قادة اتحاد الشغل وجهازي الحزب والدولة، وكامل التقدير والتبجيل لها ولأبنائها من الشعب التونسي بمختلف مكوناته، فقد دأبت المركزيّة النقابية على توجيه الدعوة لها سنويّا للمشاركة في إحياء ذكرى 05 ديسمبر 1952 أو بمناسبة عيد الشغل يوم غرّة ماي وأحداث 05 أوت 1947 الدامية بصفاقس من كلّ سنة ولكن، وبحكم حرصها على عدم توظيف دم زوجها خدمة لأغراض شخصيّة لها ولأبنائها أو عائلتها، فإنّ استجابتها لهذه الدعوات وخروجها للعموم لم يكن إلاّ بتأن ودون إفراط، وبإلحاح شديد من قبل رفاق درب فرحات وكبار المسؤولين في جهازي الحزب والدولة.

وتماشيا مع ما شهدته البلاد من تحوّلات ثقافيّة وتربويّة، انخرطت آمنة حشّاد في البرنامج القومي لمحو الأميّة منذ إحداثه رسميّا سنة 1959 فتعلّمت القراءة والكتابة، سواء بمركز محو الأميّة أو عبر الدروس والتمارين التي كانت تباع في الأكشاك وتُرسل إلى المقرّ الرسمي للبرنامج بتونس العاصمة قصد التقييم والإصلاح... وقد تدرّجت في مراحل البرنامج وتوّجت مسيرتها باجتياز الامتحانات الرسميّة بنجاح ونيل شهادة في الغرض.

وأمام حرصها، وخاصّة حرص ابنها نور الدين على كشف خفايا عملية اغتيال والده، وبعد 61 سنة من الواقعة، تمّ تحديد الجهة التي خططت لذلك، بمناسبة زيارة الدولة التي أدّاها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى تونس يومي05 و06 جويلية 2013، والذي حرص على زيارة ضريح الشهيد فرحات حشّاد بالقصبة والترحّم على روحه واستقبال أرملته آمنة وابنه نور الدين بالمناسبة لتقديم اعتذار رسميّ باسمه الخاص ونيابة عن الدولة الفرنسيّة عن عمليّة الاغتيال، مؤكدا التزامه باسم فرنسا بالكشف عن الحقيقة كاملة وإعطائه الإذن بفتح كلّ الأرشيفات الفرنسية والملفّات ذات الصلة بعملية الاغتيال. كما أكّد لها ولابنها، أنّه تبيّن بالحجّة أنّ عمليّة الاغتيال هي جريمة دولة بامتياز، وقد تمّت بواسطة «مصلحة التوثيق الخارجي ومكافحة التجسّس» (SDESES) التابعة للاستخبارات الفرنسيّة وليس من طرف تنظيم «اليد الحمراء» كما كان يُشاع لمدّة عقود في كلّ من تونس وفرنسا، وأنّ هناك كمندوس خاصّا قد أُرسل عمدا من باريس لمراقبة تحرّكات فرحات حشّاد وتنفيذ العملية، وأنّ قرار الاغتيال قد اتخذ قبل سبعة أشهر من تاريخ التنفيذ. كما قدّم لها 06 علب كرتونية تضمّنت أهمّ الوثائق الرسميّة السرّية المتصلة بعملية تصفية زوجها من أرشيف رئاسة الحكومة ووزارتي الدفاع والخارجية الفرنسيتيْنِ.

فارقت آمنة حشّاد الحياة بإحدى مصحّات تونس العاصمة صباح يوم 15 فيفري 2018 عن عمر 88 سنة. وفي اليوم الموالي أقيمت لها جنازة رسميّة مهيبة بمقبرة العبّاسية برعاية من الاتحاد العام التونسي للشغل، حضرها الأمين العام وحشد كبير من مناضلي ونقابي جهة صفاقس وتونس العاصمة وسائر جهات البلاد، أتوا لتوديع المرأة الوفيّة، الصامدة الصامتة، التي لولاها لما أمكن لابن عمّها فرحات حشّاد أن يتفرّغ لخدمة قضايا وطنه.

 

عادل بن يوسف

 

تفاعل مع المنشور وشاركنا تعليقاتك

ابحث بالمجال
العلوم
الاجتماعيّة والقانونيّة
العلوم
التجريبيّة والطبيّة
الآداب
والفنون
الالتزام
والنّضال في الحياة العامّة
الحضارة
والتاريخ
تواصل معنا

اقترح شخصية

تواصل معنا

العنوان

شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية

البريد الالكتروني
directiongenerale@credif.org.tn
رقم الهاتف
0021671885322
Drag View Close play
0%