فريدة العقربي المنستيري هي واحدة من أوّل قابلتين تونسيّتين تخرجتا من كليّة للطبّ، ومناضلة من أجل القضية الوطنية، و ناشطة اجتماعية. مارست مهنتها بتضحية كبيرة وشجاعة نادرة في الظروف الصعبة لفترة الاستعمار وما بعد الاستعمار. وقد كانت وفقا لشهادة شفويّة لابنتها -قريبة من الأوساط الشيوعيّة، كما كانت في وقت مّا مقرّبة من الزعيمين فرحات حشاد، والحبيب.
ولدت فريدة العقربي المنستيري في 12 نوفمبر 1911. وبعد الدّراسة الابتدائيّة أكملت تعليمها الثانوي في معهد أرماند فاليير (Armand Fallières) وحصلت على شهادة الدراسة التكميلية للمرحلة الإعداديّة (BREVET) عام 1924.
واجهت فريدة العقربي المنستيري، منذ صغرها، العنصرية والتمييز في تونس خلال الحقبة الاستعمارية، الأمر الذي نمّى في نفسها حسًّا وطنيا عميقا كما تثبته رواية ابنتها نائلة: «ذات يوم في مدرسة أرماند فاليير الثانوية، وبينما كانت في الصفّ، صُدمت عندما سمعت القيّمة العامّة تقول لها:» العقربي لك شخصية سائق عربة (Charretier arabe) فردت عليها فريدة قائلة و أنت لك شخصية بائعة سمك .(poissonnière des Halles) فكانت الفضيحة! كيف تجرؤ تلميذة تونسيّة أن تجيب بهذه الوقاحة «؟
التحقت فريدة العقربي المنستيري بعد دراستها الثانوية بابنة خالتها بدرة بن مصطفى الورتاني لدراسة القبالة (Rached Besbes : Femmes pharmaciens…) في كليّة الطبّ بالجزائر العاصمة حيث تخرّجتا عام 1932. وبعد ذلك عادت فريدة العقربي المنستيرى إلى تونس حيث بدأت العمل كقابلة في قسم السلامة الصحيّة (Service d’hygiène) ثمّ في مستشفى عزيزة عثمانة بتونس.
وفي حين لم تطرح مغادرتها للدراسة في الجزائر أيّة مشاكل تذكر لكونها تنتمي إلى عائلة منفتحة،2 فإنّ ممارستها اليوميّة لمهنتها، لم تكن خالية من الصعوبات، في مواجهة مجتمع محافظ ومتشدد تّجاه المرأة المستقلّة والحداثيّة. فلقد كانت، (بحسب شهادة ابنتها الشفوية) تُستقبل أحيانا في الأحياء الشعبيّة، حيث يتمّ استدعاؤها لتوليد النساء، بالرشق بالحجارة، من قبل الأطفال الذين كانت القابلات التقليديات الرافضات لاستبدالهنّ بالقابلات المتخرّجات من الكليّات يدفعنهم –ولا سيما في البدايات إلى ذلك. كما واجهت في المستشفى صعوبات بسبب النقص في طاقم التمريض، بينما كانت تقوم، بمفردها، في غالب الأحيان، بـــستّ أو سبع عمليات توليد في نفس الوقت».
هذه الشجاعة وهذه الشخصيّة القويّة، وضعتها فريدة العقربي المنستيرى أيضًا في خدمة العمل الاجتماعي : ذلك أنّها قد كانت قابلة ترعى بائعات الهوى وترافقهن عندما يواجهن مشاكل مع الشرطة الاستعماريّة. وخلال حرب بنزرت، شاركت في علاج الجرحى الذين تمّ نقلهم إلى مستشفى عزيزة عثمانة. وكانت تنام في المستشفى بين القتلى قائلة «إنهم غير مؤذين على عكس الأحياء!».
ولم تقتصر فريدة العقربي المنستيرى على ممارسة مهنتها، بل كانت أيضًا ناشطة وطنيّة ونسويّة حسب شهادة ابنتها، فحاربت كلّ أنواع التمييز مؤكدة مساواتها بالرجل ولم تكن تتردّد في الجلوس في المقاهي والملاهي، ولم ترض بالفرق في الأجور بين القابلات التونسيات والفرنسيات».
وقد دفعتها وطنيتها بشكل طبيعي إلى تبنّي المسألة النقابيّة والنشاط مع فرحات حشاد ، الذي كانت تربطه بها صداقة كبيرة، فكانت تشارك في جميع المظاهرات، كما روت ذلك ابنتها في كتابها بعنوان «Bab Jedid, mon amour».
وكانت أيضا قريبة من بورقيبة قبل تولّيه رئاسة الجمهوريّة، وقد كلّفها، بمجرد الحصول على الاستقلال الداخلي في عام 1954، بالقيام بمهمّة في الاتحاد السوفياتي والصين مع تفويض لأخذ المعلومات حول سياسات تنظيم النسل التي وضعها هذان البلدان. وقد قامت بهذه الرحلة رغم تردد زوجها، وأشادت في مذكّراتها بنماذج السياسات الاجتماعية لهذين البلدين، ولا سيما فيما يتعلق بالمساعدة المقدّمة للعاملات في إنشاء دور حضانة في أماكن العمل. ولكنّ هذه الأفكار واجهت عديد الاعتراضات في الأوساط السياسيّة التونسيّة في ذلك الوقت (على ما أفادتنا بع شهادة ابنتها).
حصلت فريدة العقربي المنستيرى على تقاعدها المبكر عام 1969، وتوفيت في 30 ماي 1989 عن عمر يناهز 78 عامًا.
آمال القعيّد (بن عمّار)
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية