فاطمة الحاضنة المشهورة بـ»حاضنة باديس» أبي مناد نصير الدولة (386-406هـ / 996-1016م) في العصر الصنهاجي. هي امرأة نصرانية أسرها بعض غزاة البحر في عهد الأمير المنصور بن بلكّين بن زيري (373-386هـ / 984-996م) وملكها أحد الربابنة فسيقت أوّل الأمر إلى المهدية فالقيروان. ملكها المنصور واختارها لتحضن ابنه باديس لما وجد فيها من الصفات التي تخوّل تنشئة أمير وتربيته والسهر على تعليمه(عبد الوهاب، حسن حسني، شهيرات التونسيات، تونس منشورات مكتبة المنار، 1965، ص 81.). وكانت ولادة الأمير سنة 374هـ 984م (إدريس، الهادي روجي، الدولة الصنهاجية، تاريخ إفريقية في عهد بني زيري من القرن 10 إلى القرن 12م، نقله إلى العربية حمادي الساحلي، بيروت، دار الغرب الإسلامي 1992 ج 1، ص 120.) ممّا يفيد بوجودها في البلاط الصنهاجي في ذلك الحين. عندما ارتقى الأمير باديس إلى العرش كان عمره اثنتي عشرة سنة ولا نعرف إن كانت حاضنته أدّت دورا سياسيا أو لا ولكنّها كانت تحظى بمنزلة في القصر وحظوة قد يفيدان بنفوذها، ويدلّ اسمها فاطمة على إسلامها.
اما وفاتها فقد ذكر أنّها كانت في رمضان من سنة 416هـ أكتوبر 1025م (المرجع السابق ج1، ص 177.) وقد ورد هذا التاريخ على نقيشة قبر بالية تحمل هذا التاريخ ذكر فيها اسم فاطمة، فقد تكون هذه الحاضنة وقد تكون النقيشة المشوّهة مما رسم على ضريحها. ولكنّ حسن حسني عبد الوهاب (ت 1968) ذكر أنّها توفّيت في حدود سنة 420هـ /1024م (شهيرات التونسيات، مرجع مذكور، ص 83.). ولم نجد ذلك فيما اطّلعنا عليه من مصادر. ومهما يكن الأمر فقد كانت على قيد الحياة سنة 410 هـ / 1019-20 م على ما سيتّضح في ما يلي.
وتعود شهرتها إلى وقفها مصحفا مخطوطا «بقطع اوراقه وروعة جماله وتزويقه وتجليده» (بويحي الشاذلي، الحياة الأدبية بإفريقية في عهد بني زيري، تعريب محمد العربي عبد الرزاق، قرطاج، المجمع التونسي للعلوم والادب والفنون، بيت الحكمة، 2000، ج 1، ص 267.) كتب بالخطّ الكوفيّ على ورق البرشام أو الرقّ فيه زركشة أنيقة وتذهيب ثمين وقد وضع في صندوق حفظه
(Marsais Georges et Poinsot Louis, objets Kairouanais. Notes et documents, Tunis, Tournier Editeur, 1948, Fasc. I, pp 61, 310.)
ولقد أشرفت الكاتبة درّة على إنجازه إذ نجد على ورقة بآخره نصّ تحبيسه وهو التالي «بسم الله الرحمان الرحيم، قالت فاطمة الحاضنة، حاضنة أبي مناد باديس، حبّست هذا المصحف بجامع مدينة القيروان، رجاء ثواب الله وابتغاء مرضاته على يد القاضي عبد الرحمان بن القاضي محمد بن عبد الله بن هاشم نضّر الله وجهه، آمين ربّ العالمين، وذلك في شهر رمضان من سنة عشر وأربعمائة ...» (شهيرات التونسيات، مرجع مذكور، ص 82.)
وورد على وجه الورقة : «...كتب هذا المصحف وشكله ورسمه وذهّبه وجلّده علي بن أحمد الورّاق للحاضنة الجليلة حفظها الله على يدي درّة الكاتبة سلّمها الله...» (المرجع السابق، الصفحة نفسها.)
وقد ذهب روجي إدريس (Roger Idris) (ت 1978) إلى أنّ درّة الكاتبة كانت تعمل عند علي بن أحمد الورّاق في مشغله فأفاد بصناعتها واعتبرها ورّاقة (الدولة الصنهاجية، مرجع مذكور ج II ص 386.) ولكنّ الشاذلي بويحي (ت 1997) نقده في ذلك إذ لا دليل على أنّها خطّت المصحف وانتهت الورقة عند علي ابن أحمد (الحياة الادبية بإفريقية في عهد بني زيري، مرجع مذكور، I، ص 267). فقد كانت درّة، على ما يبدو، كاتبة فاطمة الحاضنة والمؤتمنة على أسرارها (المرجع السابق،ج II، ص 566).
ويبرّر هذا تعلّم نساء البلاط للخطّ والمعرفة بقواعد الكتابة واللغة والبلاغة، فالكتابة تتطلّب معرفة بفنون الخطّ والقول ممّا جعل الشاذلي بو يحي يعلّق على الكاتبة درّة قائلا :»وأغلب الظنّ أنّ هذه الحالات لم تكن من باب الشواذّ داخل قصور بني زيري وأنّ نساء الحريم لم يكنّ خاليات من الاهتمام بالحياة الأدبية» (المرجع السابق،ج II، ص 535.)
سهام الدبّابي (الميساوي)
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية