هي فاطمة بنت محمد بن عثمان بن الحاج حسين بن أحمد بن محمد بن عثمان داي وزوجة حسين باي. توفّيت سنة 1242 هـ. ترجم لها محمد التونجي في معجم أعلام النساء (دار العلم للملايين، بيروت، 2001، ص 135) ترجمة وجيزة جاء فيها أنّ «كلمة «عثمانة» نسبة إلى جدّها الكبير عثمان داي (حكم البلاد التونسيّة بين 1593 و 1610)» وأنّها كانت أميرة تونسيّة، ربّاها أبوها على الدين والتربية وزوّدها بمعارف العصر، ثمّ زوّجها بموظّف كبير في الدولة اسمه محمّد قائجي، وبعد وفاته تزوّجها الأمير حسين بن محمود باي وليّ عهد المملكة التونسية» وأضاف أنّها كانت مسموعة الكلمة عزيزة الجانب في تونس.
عرّف بها كذلك ابن أبى الضياف في إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، ثمّ جمع ترجمتها من مظانّ متفرّقة حسن حسني عبد الوهاب في شهيرات التونسيات وصاغ ذلك بقوله:«هي فاطمة بنت محمد بن عثمان بن الحاج حسين بن احمد بن محمد بن عثمان داي، نشأت هذه الفاضلة نشأة عفاف وصيانة في خدر بيت أبيها وكان من أعيان العصر، فلقّنت تقاليد التربية الإسلامية العالية وزوّدت من المعارف ما هو كفيل بان يصيّرها ربة منزل كاملة ولما شبّت وترعرعت زوّجها أبوها بشاب من ذوي الأقدار وأصحاب الرتب الدولية وهو محمد قائجي فولدت له ولدا سمّي عليّا ويدعى علّالة ثم توفي الزوج وبقيت مدّة «هاجلة» على صغر سنّها -على حدّ عبارة حسن حسني عبد الوهاب- فخطبها حينئذ وليّ عهد المملكة الأمير حسين بن محمود باي العصر.
آثر حسين باي الاقتران بفاطمة عثمانة لا لنسبها الرفيع وجمالها البديع فحسب، بل ولما اتّصفت به من النحائز العالية والأخلاق الحميدة التي ميّزتها من بين قريناتها ذوات الحسب من بنات تونس، لاسيّما وبيت الإمارة في حاجة وقتئذ إلى جلب خواطر السكان وتأليف النفوس حول العرش الحسيني فتزوّج بها في حدود سنة 1222هـ وتبنّى ولدها علّالة قائجي وأنزله منزلة الابن الصلب، اغتبط بصحبتها أيّما اغتباط مدّة ولاية العهد قاضيا أوقاته بين مباشرة أحوال البلاد، وقد ألقيت مقاليدها إليه لكبر سنّ والده، والتنزّه بقصر المرناقيّة خارج تونس في زمن الربيع وبقصر العبدليّة بالمرسى في زمن القيض.
نقل رواة الأخبار أنّه في خلال عام 1231 هـ/ 1818 م وفدت على حاضرة تونس زوجة سلطان الإنجليز جورج الرابع وهي الملكة (كارولينة دي برانشفيك) بقصد النزهة والاطّلاع على المملكة فاحتفل الباي بمقدمها وكلّف وليَّ عهده بالقيام بحقّ الضيافة فتفنّن الأمير حسين في تعظيم نزلها وإكرامها، وكانت فاطمة خير معين له على هذه المهمّة، من ذلك أنّ الملكة كارولينة رغبت في فداء أسارى النصارى المقيمين بالحاضرة فسبقتها الأميرة فاطمة بتسريح كافة الأسارى خدَمَة قصور الإمارة من غير فداء إكراما لها وإجلالا للضيافة. ولقد حمدت لها الدولة الانقليزيّة هذه المزيّة وكاتبت حماها برفع جزيل الشكر للمنعّمة على عالي إحساسها الإنساني. ولقد متّع الله تعالى الأميرة فاطمة بحياة سعيدة رغدة في ظل زوجها الذي تربّع على دست الإمارة بعد أبيه في رجب سنة 1239 هـ، ورزقه منها أبناء نجباء توارثوا الملك بعده منهم محمد والصادق وعلي.
ولم تزل في عزّها الشامخ إلي أن لبّت داعي ربّها الكريم مأسوفا عليها من سائر طبقات الناس. وعلى ذكر وفاتها أورد الوزير أحمد بن أبي الضياف العبارة الآتية منوّها بسجاياها الغالية وعلوّ منصبها قال رحمه الله(عبد الوهاب، حسن حسني . شهيرات التونسيات، تونس المطبعة التونسية .1934-1353 ص 100-102):» وفي عشيّة يوم الجمعة الخامس والعشرين من شعبان سنة 1242 هـ توفيت زوجة الباي وأمّ بنيه وطليعة يمنه حفيدة عثمان داي بمرض أصابها عقب الولادة، ودفنت من الغد في موكب مشهود في تربة عمّ أبيه. وحزن الباي لفقدها ورؤية صغار ولدها بعدها، وزعزع المصاب طود ثباته وأراه من فجائع الدهر ونكباته، ولبس هو ورجال دولته شعار الحزن عاما كاملا ويحقّ لها ذلك، فقد كانت من الكرم وعلوّ الهمّة والسياسة في جلب القلوب بتحبيب زوجها بالمكانة المكينة، ترى نفسها واحدة من نساء هذه المدينة توقّر الكبيرة وترحم الصغيرة وتجهّز اليتيمات وتعين على النوائب وتعرف للناس أقدارهم . إذا وقعت وليمة عند أحد من أعيان الحاضرة ولم يبعث اليها في استعارة مصوغ ونحوه من نوافل الولائم عادة، تبعث إليه بعد تمام الوليمة إحدى خدمتها مهنّية وتقول له: إنّ عادة بلادنا أنّ صاحب الوليمة يستعين بأقاربه في حاجاتها ولوازمها وفي المثل (صاحب التاج يحتاج) وساءنى حيث لم أعرك في وليمتك يدا ولا لسانا، إلى غير ذلك من الكلام المنظوم في مثل هذا الأسلوب المالك لأحرار القلوب، ترى الفضل لمن زارها وأمّ دارها. قابلها الله تعالى برحمته وجزيل إحسانه» (أحمد بن أبي الضياف:إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، تح. لجنة من وزارة الشؤون الثقافية، تونس، الدار العربية للكتاب، 1999، المجلد 2، ج 3، ص 159).
ولم تخلّد المصادر لها أثرا مكتوبا في مجال من مجالات علوم عصرها .
فوزي البدوي
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية