وُلدَتْ فَتْحيّة خَيْري (واسمها الحقيقي خِيرَة اليَعْقُوبي) في 17 أفريل 1916 بمنطقة الشرفيين بجهة الدهماني من ولاية الكاف، ونشأت بحي الحلفاوين بالعاصمة تونس. تزوّجت من السيّد فتحي زهيّر وأنجبت منه ابنها «منذر» وابنتها «فاطمة» لكنّها انْفَصَلت عَنه لانشغالها بالغناء والتمثيل.
بدأت فَتْحيّة خَيْري نشاطها الفنّي وهي في سنّ الخامسة عشرة ممثّلة مسرحيّة في فرقة «المستقبل التمثيلي» لصاحبها البشير المتهنّي، وقد انْتَمَتْ إلى الفرقة سنة 1931، وأشرَفَ على تدريبها المسرحيّ الهادي العبيدي. وكانت تُكلَّف بأداء الفواصل الغنائيّة بين فصول المسرحيّات إلى جانب تمثيل أدوارها (المنصف، شرف الدين، من روّاد المسرح التونسي وأعلامه، تونس، المكتبة العتيقة، 1997، ص. 198-199)، وقد تعامَلَتْ فَتْحيّة خَيْري مع عدد من الفرق المسرحيّة مثل «النجم التمثيلي» و«المستقبل التمثيليّ» و«الاتحاد المسرحيّ» وأسّست فرقة خاصّة بها وهي «العشرة الطيبة» سنة 1938 ثُمَّ الْتَحَقَتْ بالفرقة البَلَديّة للمسرح سنة 1955.
تلقّت فَتْحيّة خَيْري دروسا في العزف على آلة العود مع الأستاذ موني الجبالي (والد العازف والمطرب اليهوديّ التونسيّ مُورِيسْ مِيمُونْ) ثُمَّ تَبنَّاها عازف البيانو محمّد الشّيشْتي وعلّمها أداء الأدوار والموشّحات، قبل أن يكتشفها علي الدرويش الحلبي ويُشرف على تكوينها الموسيقي (فاخر، الرويسي، فتحية خيري فنّ وشجن، تونس، دار تونس للنشر، 2018، ص. 15).
سنة 1941، انضمّت فَتْحيّة خَيْري إلى جمعيّة الرشيديّة بدعوةٍ من رئيسها الجديد مُصطفى الكَعَّاك بعد وفاة رئيسِها الأوّل مُصطفى صْفَرْ وانْسحاب الفنّانة شَافْية رُشْدي التي كانت المطربة الرئيسيّة في فرقة الرشيديّة، وتعاملت في هذه المؤسسة مع أبرز الأدباء والشعراء والملحنين مِنْ أمثال العَرْبي الكَبَادي وعَبد الرّزّاق كَرَبَاكَة وعلي الدُّوعَاجي وقَدُّورْ الصّْرارْفي والسَّيّدْ شَطّا وعلي الدَّرْويش وصالح المهدي ومحمد التّْريكي وأحمد خَيْر الدين وعلي السّْريتي وغَيْرهم. وشاركت فَتْحيّة خَيْري في حفلات الرشيديَّة وفي الحفلات الأسبوعيّة التي كانت تُقام في قصر أحمد باي الثاني إلى جانب مطربات أُخريات مثل حَسيبَة رُشْدي ووِدَادْ وشَافْيَة رُشْدي (محمد، السقانجي، الرشيدية مدرسة الموسيقى والغناء العربي في تونس، تونس، شركة كاهنة للنشر، 1986، ص. 16).
وبعد الاستقلال الْتَحقَتْ فَتْحيّة خَيْري بالفرقة الموسيقيّة للإذاعة ثُمَّ خُصّصت لها حصة إذاعيّة نصف شهريَّة كان يشاركها في تقديمها الفنّان المصري السَّيِّد شَطَّا. وقد سجّلت جزءا كبيرا من رصيدها الغنائيّ باستوديوهات الإذاعة التونسيّة.
عُرِفَتْ فَتْحيّة خَيْري بعلاقاتها المتينة مع الشخصيّات النّافذة مثل المنصف باي، فقد كانت مطربته المفضّلة، وأحمد باي الثاني والرئيس الحبيب بورقيبة الذي غنّت في حفل زواجه من وسيلة بورقيبة في 12 أفريل 1962 بقصر السّعادة بضاحية المرسى قصيد «تهنئة» الذي نضمه الشاعر أحمد خير الدين خصّيصا لهذه المناسبة (فتحية خيري فنّ وشجن، مرجع مذكور، ص. 132)، كما كانت تشاركُ في الحفلات السنويّة التي تقام احتفالا بعيد ميلاد الحبيب بورقيبة الذي قدّمت له الكثير من الأغاني في مناسبات مختلفة مثل «سَلاَمَاتْ يَا غَالي عْلينا» التي نضمها الشاعر بِلْحْسَنْ العِبْدِلّي ولحّنها الفنان الهادي الجويني وأغنية «نْحِبِّكْ وِنْحِبْ الِّي يْحِبِّكْ» التي نَضَمَها ولحَّنَها الهادي الجويني و «ملحمة النصر» التي ألَّفَها عبد المجيد بن جِدُّو ولحّنَها صالح المهدي.
تَنوّعَ الرصيد الغنائي لِفَتْحِيَّة خَيْري بين الأغاني العاطفية مثل «الحُبْ جَنَّة وْجَحِيمْ» التي ألّفَها الشاعر بِلْحْسَنْ العِبْدِلِّي ولحَّنَها الفنَّان الهادي الجويني، و«فِينْ النَّسيمْ العَليلْ» وقد نَضَمَها الشاعر محمود بورْقيبَة ولحّنها الفنان المصري السَّيّدْ شَطَّا. كما أدّت فَتْحيَّة خَيْري أيضا الأغاني الوطنيّة والمدحيّة مثل «يَا عْزيزْ تونس يَا حْبيبْ بْلادِكْ» التي تَتَغَنَّى فيها بالرئيس الحبيب بورْقيبَة وقد نَضَمَها الشاعر مُصطفى خْرَيِّفْ ولحَّنَهَا المؤلّف الشَّاذْلي أَنْور، والأناشيد والقصائد مثل قَصيدة «مَا ثَنَاهَا» وقصيدة «الوَدَاع» اللَّتَيْن ألّفَهُما الشاعر عبد الرّزّاق كَرَبَاكَة ولَحَّنهُما السَّيِّد شَطَّا.
توفّيت فتحية خيري في 6 جويلية 1986، ونُشرت مذكّراتها في جريدة العمل في أعداد شهري أفريل وماي 1971.
عائشة القلاّلي
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية