0 Loading ...

موسوعة النّساء التّونسيّات موسوعة النّساء التّونسيّات

حبيبة المنشاري

[1907-1961]
مجالات النشاط
  • الالتزام والنّضال في الحياة العامّة

من المرجّح أن حبيبة بن جلاّب المنشاري ولدت سنة 1907.

وتذكر صوفي بسيس في كتابها «الثمينات» (Sophie BESSIS, Les Valeureuses, Elyzad, Tunis, 2016, 223 pages)، أنّ حبيبة بن جلّاب المنشاري هي البنت الصغرى لإبن سلطان طاغرت (واحة بجنوب الجزائر) الذي فرّ من المستعمر الفرنسي ليستقر بتونس بمنزله الكائن بباب الجديد.

وإثر وفاة والدها في الحج، عاشت حبيبة مع والدتها وأخوتها البنات الثلاث ببيتهم بباب الجديد الذي اضطرّت والدتها إلى كراء جزءٍّ منه لمقيم فرنسيّ لتضمن لأسرتها دخلاً ماديًا قارًا. وقد كان لذلك الأمر أهمية بالغة في حياة حبيبة بن جلاّب لأنّ المقيم الفرنسيّ هو الذي أقنع أمّها بأهمية تعليم بناتها بالمدرسة.

وعلى عكس الأختين الأكبر سنًّا، تمكّنت الأُختان الأصغر من الذّهاب إلى المدرسة، وبذلك بدأ يرتسم لحبيبة بن جلاّب مستقبل مختلف عن أغلبية بنات جيلها. فبعد مزاولتها الدّراسة بالمدرسة الابتدائيّة بنهج باب الجّديد وتحصّلها على شهادة ختم الدّروس بها، واصلت حبيبة بن جلاّب تعليمها بمعهد أرمون فاليار (Armand Fallières) وإجتازت بنجاح شهادة ختم الدّروس(Le Brevet)  به ممّا أهّلها لدخول المجال المهنيّ. 

وعملت حبيبة بن جلاّب مساعدة لكاتب السّجلاّت بمحكمة تونس حيث تعرّفت على عبد الرّحمان المنشاري، أصيل ولاية باجة، الذي كان يقوم بتربّصه بمكتب الأستاذ الكعّاك، أحد أشهر المحامين بتونس آنذاك. 

وإثر زواجهما رُزق عبد الرّحمان وحبيبة المنشاري ببنتين ستصبح إحداهن، ليلى المنشاري، المشهورة بمجال الموضة والتصميم بباريس.

وكان لعبد الرحمان المنشاري دور في تميّز زوجته إذ كان للزوجين صداقات وعلاقات بالأوساط المثقفة ذات الفكر الإشتراكي و التحرّري، وهو الذي شجّع زوجته على التخليّ عن الحجاب أو السفساري كما جرت به العادة بتونس إذ، كما ذكرت إبنتهما ليلى المنشاري لصوفي بسيس، كان يرى فيه طمسًا لجمالها (المرجع السابق، ص 146).        

وستدافع حبيبة المنشاري عن ضرورة تخليص المرأة العربية والمسلمة من ارتداء الحجاب إيمانًا منها بأنّ هذه المسألة من أهمّ السُّبل لتُحقق نساء وطنها والنّساء المسلمات عمومًا مكانة أُسريّة وإجتماعيّة لائقة.

فالمنشاري في نهاية العشرينيات، انضمّت للفرع النّسائي للحزب الإشتراكي الفرنسي الذي كان يُسمّى

SFIO (Section Française de l’Internationale Ouvrière)

وبفضل اهتماماتها وتوجّهاتها الفكرية ومشاركتها خاصة لأصدقائها الاشتراكيين نقاشاتهم تمكّنت من أن تكون عنصرًا فاعلاً في السعيّ لتحرير المرأة التونسيّة.

وفي الزّمن الذي تعالت فيه بعض الأصوات المساندة لتحرير المرأة من إرتداء الحجاب، كانت الأغلبيّة و خاصة من علماء الدّين، ترفض بشدة هذه الفكرة معتبرة إيّاها نفيًا لمبادئنا وعاداتنا وتقاليدنا كمسلمين وعرب وتونسيين. وكانت حبيبة المنشاري من الّذين ساندوا تحرير المرأة ودافعوا بحماس عن جملة من المبادئ التي من بينها التخلّي عن الحجاب وتعدّد الزوجات واعتبرتها حجر أساس للمضيّ نحو تطوير مكانة المرأة في المجتمع التونسيّ.  

وكان لالتزامها النّشيط صدًى جعل الجمعيّة الثقافيّة للتّرقّي الاشتراكي (ليسور)

(Association culturelle d’obédience socialiste)  L’Essor

تدعوها إلى المشاركة بمحاضرة باللغة الفرنسيّة حول مسألة حجاب المرأة المسلمة. فقدّمت حبيبة المنشاري محاضرة يوم 08 جانفي 1929 في القاعة الكبرى لقصر الجمعيات الفرنسيّة Le Palais des sociétés françaises بعنوان «امرأة الغد المسلمة، مع أم ضدّ الحجاب» حيث اعتبرت التّخلي عن الحجاب وضرورة تعليم المرأة شرطًا أساسيًا لتطور المجتمع، مؤكّدة أنّ المرأة هي الرّكيزة لبناء أسرة وتربية أبناء ناجحين، وهو ما سيُعطي مجتمعًا مستنيرًا تكون فيه المرأة شريكًا مسؤولاً وفعّالاً. وذكرت مثالاً على ذلك توحيدة بالشيخ التي مثّلت أول امرأة تونسية مسلمة تزاول دراستها بفرنسا كطبيبة وأمٍّ لأسرة ناجحة. 

ولئن فضّلت حبيبة المنشاري الإنسحاب من الأضواء، إذ لم تظهر إثر محاضرتها تلك الشهيرة إلاّ بمناسبات قليلة كالمؤتمر الثاني سنة 1932 لنساء الشرق بطهران بدعوة من الأوساط النسويّة، ممّا هو دليل على صدى أفكارها داخل وخارج تونس، كرّست جهدها لمساعدة بعض ضعفاء الحال ماديّا ومعرفيا.

وتبقى حبيبة المنشاري من أوّل من دافع عن حق المرأة في الخروج دون حجاب إضافةً الى جملة من الحقوق الأخرى التي تضمن لها المكانة التي تستحقها في المجتمع وتعطيها الفرصة لتكون فعلاً جزءًا بنّاء لأُسرتها ومجتمعها ووطنها.

وجلّ ما تمنّته المنشاري للمرأة في أواخر العشرينات من القرن الماضي رسّخه الحبيب بورقيبة بعد الإستقلال بفرضه مجلّة الأحوال الشخصية لتوجيه المجتمع، بالرّغم من كونه كان قد انتقد بشدّة محاضرة حبيبة المنشاري حول التخلّي عن الحجاب معتبرا الحجاب آنذاك ضروريّا لفرض بصمة مجتمعاتنا العربية الإسلامية المختلفة عن النموذج الفرنسي والأجنبي ككل. ولكن عند إستقلال تونس دافع بدوره عن تخليص المرأة من الحجاب معتبرا انّه الزمن المناسب لتأخذ المرأة كامل حقوقها وتحتلّ مكانتها كشريك فعّال في بناء وطنها دون تمييز في الحقوق والحرّيات بينها وبين الرجل.

توفّيت حبيبة المنشاري يوم 5 ماي 1961 بمستشفى بمنوبة، حيث نصحها الطبيب أن تبقى لفترة نقاهة. وتعتبر حبيبة المنشاري بجدارة رمزا من رموز الفكر التحرري الذي ما فتِئ يُميّز الثقافة و الأوساط المعرفيّة التونسيّة. هذه هي : حبيبة المنشاري التي دافعت عن نظرتها في ما يجب أن تتمتع به المرأة من حريّة ومساواة مع الرجل، قبل أن تبتعد عن الدوائر السياسيّة والمجتمعيّة النشطة وتتفرّغ لمساعدة الطبقات الهشّة قدر الإمكان في شؤونهم اليوميّة.

 هند السّوداني

 

 

تفاعل مع المنشور وشاركنا تعليقاتك

ابحث بالمجال
العلوم
الاجتماعيّة والقانونيّة
العلوم
التجريبيّة والطبيّة
الآداب
والفنون
الالتزام
والنّضال في الحياة العامّة
الحضارة
والتاريخ
تواصل معنا

اقترح شخصية

تواصل معنا

العنوان

شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية

البريد الالكتروني
directiongenerale@credif.org.tn
رقم الهاتف
0021671885322
Drag View Close play
0%