اختلفت المعلومات حول تاريخ ولادة حبيبة مسيكة ومكانها : فمن التواريخ 1893 و1896 و1903. والأغلب على الظنّ أنّ سنة 1903 هي الأقرب إلى الحقيقة. وأمّا المكان فأكثر المراجع متفقة على تونس أكثر من تستور.
ولدت حبيبة مسيكة إذا، أو مارغريت، في حارة تونس في وسط عائلي متواضع من اليهود «التوانسة» وكان والداها، ديدا وميحا، يعملان في تجارة الخيط.
تلقت حبيبة قدرًا يسيرًا من التعليم في المدرسة الإسرائليّة بالحفصيّة (l’Alliance Israélite) ثمّ انصرفت لبعض الأشغال في دكّان أبيها مثل بقية أفراد جاليتها.
وصفت حبيبة مسيكة بذات العينين الخضراوين والشعر الحريري المائل الى الشقرة، والقامة الهيفاء و«الجمال الصاعق». وكانت تلقّب ب«جميلة الجميلات» وكذلك «النمرة ذات العينين الخضراوين».
يبدو أن جمالها ومفاتنها أثارا العديد من الشبّان والكهول الذين أصبحوا يراودونها ويسعون إلى التقرّب منها وهذه الخاصيّة ستزيد في شهرتها خصوصا وأنّ النساء المغنّيات كنّ قليلات في زمنها. فذاع صيت حبيبة مسيكة وتخاطفها وجهاء المسلمين واليهود وأعيانهم لإحياء أفراحهم الخاصّة ولا سيما الحفلات «الرجالية» التي تقام في المنازل . ولم تكد تبلغ العشرين من عمرها حتى اشتهرت في ميدان الغناء والرقص وأصبحت تتحكم في قلوب المولعين بحياة الليل كما ساهمت بعض الجرائد والمجلات في الثناء عليها «لأنها كانت لؤلؤة نادرة الجمال».
اعتنى بها في النشاط المسرحي محمد بورقيبة، المدير الفنّي لجمعية «الشهامة» فساهمت في عدّة عروض مسرحيّة حتّى سنة 1921 وهي سنة انضمامها إلى جمعيّة «الآداب» ثمّ انضمّت إلى فرقة الهلال فإلى جمعية «التمثيل العربي» وجمعية «بن كاملة» واخيرا جمعية «المستقبل التمثيلي» سنة 1928. وكانت الفرق المتنافسة تغريها شهرتها و نجاحها في أدوارها.
ومن أبرز الأدوار التي تقمّصتها «لوكراس» في مسرحيّة «لوكراس بورجيا» و«جوليا» في مسرحيّة «صلاح الدين الأيّوبي» و«دزدمونة» في «عطيل». كما مثّلت في مسرحية «شهداء الحرية».
أما في الموسيقى فقد رعت خالتها، المطربة ليلى سفاز، ميولها الفنّية وكانت هذه الخالة تملك محلاًّ للطرب، واستغلت جمال قريبتها وهوايتها في الغناء والرقص لترمي بها في حانات سيدي بومردوم كي تغنّي للزبائن.
اعتنى بها «أشير مزراحي» الذي علّمها الغناء و العزف على العود ، ثم تلاه حسن بنان الفنّان المصري الذي علّمها مختلف الأنماط الموسيقيّة وسوف تسجّل معه بعضها سنة 1926، ثمّ اعتنى بها خميّس الترنان وساعدها على أن تكسب شهرة واسعة في ظرف زمني قصير، وباقتراح منه أصبحت تُدعى «حبيبة».
أقامت حفلات في تونس والجزائر والمغرب وفرنسا وإيطاليا، و من أشهر الأغاني التي كانت تردّدها: «على باب دارك» و«يا محلا الفسحة» و«زوروني كل سنة مرّة ...»
في مطلع العشرينات من القرن العشرين سافرت حبيبة مسيكة إلى باريس حيث تعرّفت على شخصيّات فنّية مشهورة مثل «بيكاسو» وفنّان الموضة «كوكو شنال» الذي قال عنها «حبيبة لها طابع ناري تحت لطافتها الشرقيّة وسوف تفرض آيين باريس في شمال إفريقيا».
وفي سنة 1924 تقمّصت دورًا في فيلم «عين غزال» لألبار شمّامة الشكلي.
وأما حياة حبيبة مسيكة العاطفيّة فقد كانت متقلّبة جدّا :
ففي البداية تزوّجت من ابن عمّها «فيكتور شانون» وسرعان ما انفصلت عنه لتعيش قصّة حب مع وزير القلم « عزيز» الذي كان يستقبلها في سهراته في المرسى.
وكانت تجمع من حولها شبّانا من عائلات ميسورة يمضون معها السهرات الملاح وقد عرفوا ب «عسكر اللّيل». كما يُروى أنّها تعرّفت على الأمير «فؤاد» وكان يراسلها، وكذلك على ثري يهودي تونسي يدعى «إلياهو ميموني» وهو أصيل مدينة تستور، وقد تعلّق بها وبنى لها منزلا فخما في مدينته. ولكنّها تركته لتتعلق بشابّ تونسي .
نهايتها...مأساة:
في فجر يوم 20 فيفري 1930 وفي حي «لافايات» بتونس العاصمة توقف عشيق حبيبة مسيكة، «إلياهو» أمام باب العمارة التي تسكنها الفنّانة وصعد إلى شقتها و فتحها ودخل واقترب من الفراش فوجد عشيقته غارقة في النوم وهو يشتعل غيرة بعدما أعلمته أنّها تخلّت عنه ولم تعد ترغب في لقائه، وقد كان معه حاو مليء من البنزين، فسكب عليها ما فيه وأشعل النار. وعندما أُخمد الحريق كانت حبيبة «جثة متفحمة» وهي التي لم تتجاوز بعد السابعة والعشرين.
فجعت الأوساط الفنّية والجماهير من مسلمين ويهود بوفاتها وبالطريقة التي تمّت بها وكانت جنازتها مشهودة وشيّعها محبّوها ومعارفها إلى مقبرة «بورجل».
ظلت «أميرة الطرب» نجمة أسطوريّة تجمع بين التمثيل والغناء والعزف ومؤهلات جماليّة مثيرة وحضور ركحي لافت ومواكبة للموضة... كما ظلّت «حبيبة الكل» مثال المرأة المتحرّرة من خلال أدوار البطولة النسائية والرجاليّة التي أتقنتها بالدارجة والفصحى والفرنسيّة.
لقد كانت حبيبة مسيكة مثالا حيّا عن تونس الفنّية في عشرينات القرن الماضي التي سُميّت «سنوات الجنون»، ومثالا للفن والحياة في لقائها العنيف العاصف.
ويذكر أنّ أحد مطربي ذلك الزمن كان يغرد في مقام «الصبا» أغنية مصريّة يقول طالعها «حبيبة ماتت ليه قتلها ميموني حرام عليه».
بشير اليزيدي
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية