مجالات النشاط

• الآداب والفنون

ولدت حليمة الفايز يوم 19 فيفري 1936 بالقيروان وكان لها مكانة متميّزة في وجدان والدها الشاعر محمد الفايز [1902- 1953]  عبّر عنها في قصيدته الشهيرة «أنا و إبنتي» التي من بين أبياتها قوله [الرمل] :

ابنتـي الكبرى وقد أرسلتـُـها           

تتلقّــى مـــا يــفيـد الناشـئــاتْ

قلتُ يـــا ربّ وإنْ لم تُعطني          

ولدًا يخلفنــي بــعــد الممـــاتْ

بــاركِ اللّهمَّ لـي في زهرتي          

وأجِرْهــا من عيون الحاسداتْ

أقبلتْ نحوي نهارا بـعد مــا           

خرجت من درسها مثل القطاةْ

وأرتْــنـي أحرفا بيـضاء قــد          

ســطرتها باعــتــناء و أنـــاةْ

وإذا بــــنـتـي بها معـــجبـــةٌ         

مثل إعجابي بــــها بــين البناتْ

قلت:يا بنتي اسمعي واتّعظي         

اطلبي العلم فــبالعــلم الــحيـاةْ

وامـــلئي قلــبكِ حُــبّا وتـُــقى         

لا تُصيخي لحديث الجـاهــلاتْ

هكذا كان نداء الشاعر محمد الفايز القيرواني لابنته الكبرى حليمة، مقتفيا في ذلك أثر أبي القاسم الشابي حينما قال [ المتقارب] :

ألا أنهض وسر في سبيل الحياة                    

 فمن مات لم تنتظره الحياة

نشأت حليمة الفايز إذن بين يدي أب كان، كما يبدو في شعره، يتميّز بأفكاره التقدّميّة المتفتّحة، مؤمنا بضرورة فسح المجال للمرأة حتى تكون في طليعة معركة النهوض بالإنسان و بالوطن كالرجل على حدّ السواء.

ومن أجل ذلك، اتخذ محمد الفايز من إبنته «حليمة» نموذجا حين حرص على أن تلتحق بمقاعد  الدّراسة كأبناء جيلها بمدينة القيروان إذ لا فرق عنده بين الولد والبنت في طلب العلم.

وكانت هذه المبادرة بإرسال ابنته للتعلّم أواخر الثلاثينات بمثابة الحدث في الأوساط القيروانية المعروفة بالمحافظة وبطابعها الدّيني الغالب، خاصّة أنّ محمد الفايز أخذ إبنته «حليمة» إلى المدرسة دون حجاب. وبذلك حرّك السواكن وتحدّى النظرة السائدة ليُبيّن أن للبنت نفس حقوق الولد مثلما عبّر عن ذلك في قصيدته الشهيرة «أنا و إبنتي». 

والتحقت حليمة الفايز في البداية بمدرسة الأخوات (Les sœurs) ثمّ انتقلت للدراسة بمدرسة الأسوار حيث تحصّلت على شهادة ختم الدروس الابتدائية و تمكّنت من بداية الدراسة الثانويّة بالقيروان قبل التحاقها بالمعهد الثانوي للفتيات بسوسة.

وإثر وفاة والدها سنة 1953، وهي في السابعة عشرة من عمرها التحقت بمدرسة ترشيح المعلّمات بالعاصمة حيث أنهت دراستها بامتياز.

وبفضل فكر والدها المربّي والشاعر المتشبع بمعرفته العلميّة والأدبيّة والدينيّة، ومثابرتها بدورها في طلب العلم، مثلت حليمة الفايز رمزا خالدا في ذاكرة أبناء القيروان لما يجب أن تحظى به البنت و المرأة من حقوق وتدرّج في طلب العلم دون تمييز بينها وبين الولد.

وقد بدأت حليمة الفايز مسيرتها المهنيّة بالتدريس بمدرسة طارق بن زياد بالقيروان ثمّ كُلّفَتْ بإدارة مدرسة البنات «العفاف» قبل أن تُعيّن بالمدرسة الثانويّة المهنية للفتيات بالقيروان، حيث درَّست الفرنسيّة، وتختتم حياتها المهنيّة برتبة ناظرة دراسات بالمعهد الثّانوي للفتيات بالقيروان.

وقد توفيّت حليمة الفايز في 11 سبتمبر 2011.

وتمثل حليمة الفايز في ذاكرة أهل القيروان المرأة المربيّة المناضلة الفاضلة التي كرّست حياتها للمعرفة والتّعليم وتوجيه وتنوير الأجيال الناشئة. فكانت حليمة الفايز تُعرف بحزمها وسهرها على احترام التلاميذ للأخلاق الحميدة و التزام النظام بالمؤسسة التربويّة لبناء مجتمع متفتّح و واعٍ بقيمة المعرفة والأخلاق الحميدة.

وقد اقترن اسمها بمعهد ابن رشيق، وظلّت بمثابة حجر الزاوية له فيما يتعلّق بالتراتيب البيداغوجيّة وحسن تسيير الحياة المدرسية للتلاميذ الذين كانوا يثقون في أدائها ويكنوّن لها كلّ الإحترام، ولا يزال الجميع إلى غاية اليوم يشيدون بصرامتها وحزمها وحكمتها في أداء مهنتها الفاضلة وينوّهون بتفانيها بوصفها مربيّة أجيال ويذكرونها دون منازع كمثال الجدّية في العمل.

وتبقى حليمة الفايز رمزا من الرموز النيّرة للمرأة القيروانيّة التونسيّة الرائدة في مجال التعليم. وهي كذلك السيّدة التي شُهرت بحكمتها وقوة شخصيّتها وعمق فكرها المتجذّر في المعرفة والعلم والأدب والانضباط. ولكل هذا تُعتبر مثالاً يقتدي به نساء القيروان مهد الحضارة الإسلامية بالمغرب العربي ونساء القطر التونسي أجمع.

       هند السّوداني