حسينيّة بنت رمضان عميّد هي من النساء التونسيّات اللائي شاركن في حركة مقاومة الاستعمار الفرنسي خلال الفترة الممتدّة بين سنتي 1952 و 1954.
ولدت سنة 1910 في باطن العيش بمنطقة (عَمْرَة) على السفح الشمالي لجبل عرباط على بعد حوالي 13 كلم من مدينة قفصة على الطريق المؤدية نحو مدينة صفاقس. وهي تنحدر من أولاد عميّد أحد الفرق التي تعود إلى أولاد شريّط من أولاد معمّر. أمّا والدها رمضان عميّد فكان يشتغل بتجارة الأغنام والحبوب وبالزراعة، أيضا وهو عمّ قايد المقاومة الأزهر الشرايطي (1920-1963). وكانت عائلتها الصغرى تتركّب من ولد وبنتين وكانت هي أكبرهم، ومثل بنات جيلها في المنطقة لم تدخل حسينية عميّد المدرسة ولا التحقت بكُتّاب.
وبالنظر إلى وضعيّتها المدنية، فقد تزوّجت حسينيّة عميّد في عرشها، مرّة أولى في مطلع الأربعينات وأنجبت أربعة أبناء قبل أن يطلّقها زوجها سنة 1950، ثم تزوّجت ثانية من صالح حفايظية وهو من أقاربها أيضا، وأنجبت منه هو الآخر أربعة أبناء، ولد أكبرهم في ديسمبر 1951.
وقد روى لنا ابنها بشير حفايظية أنّ الزعيم الحبيب بورقيبة زار المظيلّة في 1951 حيث كان يشتغل الأزهر الشرايطي عاملا منجميا، وأتى إلى عَمْرة، وذلك في إطار التحضير لحركة المقاومة المسلّحة. وعندما اندلعت المقاومة في جانفي 1952 ساهمت فيها المنطقة حيث دارت العديد من المعارك في جبالها ومن بينها معركتا جبل عرباط (9 جوان 1954؛ 1 سبتمبر 1954)، ومعركة سيدي عيش الأولى (18 سبتمبر 1954) والثانية (21 نوفمبر 1954). وإذ لم تشارك حسينية في تلك المعارك بصفة مباشرة فقد كانت تقوم مع زوجها بتزويد المقاومين، تحت قيادة ابن عمها الأزهر الشرايطي، بالمؤونة والأخبار وببعض الأسلحة.
كما ينسب إليها تفجير جسر على واد المالح الذي يتقاطع مع الطريق الرئيسية ويبعد عن قفصة بحوالي 15 كلم، ويندرج ذلك العمل ضمن محاولات المقاومين قطع المواصلات بين المدن والمناطق. وقد سبق أن وقعت بنفس المكان عملية طلق ناري على إحدى الشاحنات بتاريخ في 22 أكتوبر 1952 قام بها بعض المقاومين.
ويروي ابنها البشير حفايظية بأنها جرحت في أكتوبر 1953 إثر الاعتداء عليها، وهي حامل، من قبل أحد الجنود الفرنسيين مستعملا مقدمة بندقيته (الموزر)، بما أجبر الطبيب بقفصة على توليدها قبل موعد الوضع.
وفي ديسمبر 1954، عندما سلم حوالي ثلاثة آلاف من الثّوار أسلحتهم، كان من ضمنهم امرأتان فقط إحداهما حسينيّة عميّد التي تسلّمت مثلهم «بطاقة الأمان» المعروفة ببطاقة دولاتور (Boyer de La Tour) نسبة إلى المقيم العامّ الفرنسي آنذاك، وكانت معها في ذلك الجزائرية مسعودة موساوي (جيجل 1920-1957) التي عملت هي الأخرى مع مجموعة الأزهر الشرايطي فيما بين ديسمبر 1952 وديسمبر 1954، ثمّ التحقت بعد ذلك في 1956 بالثورة الجزائرية واستشهدت فيها.
بعد الاستقلال، أسندت إلى حسينية عميّد رخصة سيارة أجرة (لواج)، بما من شأنه أن يمكنّها من دخل يضمن لها العيش. والأهمّ من ذلك أنّ هذه الرخصة تعتبر آنذاك اعترافا رسميّا بالدور الذي قامت به هذه السيّدة في مقاومة الاستعمار. وقد كانت من جهة أخرى تشارك، خلال السنوات الأولى من الاستقلال، في الأنشطة السياسيّة والاجتماعيّة من خلال الاتحاد القومي النسائي التونسي الذي تولّت فيه رئاسة فرع عمرة أولاد شريط، وشاركت انطلاقا منه في تركيز معمل بعمرة لتدريب الفتيات على الصناعات التقليديّة.
وبعد الكشف عن المحاولة الانقلابيّة في ديسمبر 1962، تأثرت حسينيّة كثيرا بسبب تورّط ابن عمّها الأزهر الشرايطي فيها والحكم عليه بالإعدام، وكان أن تعرّضت هي الأخرى للمضايقة، إلى أن تمّ رفع الحصار من حولها بعد الزيارة التي أدّاها إلى البلدة كاتب الدولة للرئاسة الباهي الأدغم.
عاشت حسينيّة عميّد بعد ذلك مع عائلتها في مدينة قفصة، وانقطعت عن المشاركة في الأنشطة الاجتماعيّة والسياسيّة إلى أن توفّيت في 2007، ودفنت بمقبرة سيدي عبد الملك بقصر قفصة، ويذكر ابنها أنّ العائلة لم تتلقّ فيها التعازي من السلطات الرسميّة.
هذا وقد كانت حسينيّة عميّد تقول الشعر، وخلّدت بأشعارها بعض الأحداث الوطنية الكبرى التي تتعلّق بالجلاء العسكري الفرنسي عن الجنوب ثمّ عن قاعدة بنزرت، ومن بين ما قالته خلال معركة رمادة التي جرت في ماي 1958:
يَا نْهَار رمَادَه *** كَانْ نَارَه تِشْعِلْ وَقّادَه
والضَّرْب تْمَادَى*** وكَانْ رَبِّي يِسْتِرْ بِعْبَادَه
وخلّدت أحداث معركة بنزرت التي جرت في جويلية 1961 بالقصيدة التي تقول في مطلعها متحدثة عن فرنسا:
جَتْ تِزَّقَطَتْ *** حُكُمَتْ بِنْزَرْت وفِرْحَتْ
عَاجِبْهَا النَّطْ *** تْحِبْ عْلَى وَطْنِي تِمْلِكْ
محمد ضيف الله
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية