هايدي شيكلي تمزالي، هي أوّل مُمثّلة، وأوّل مُركّبة أفلام، وأوّل كاتبة سيناريو تُونسيّة وفي العالم العربيّ وأفريقيا. ولدت هايدي في تونس في 23 أغسطس 1906، وترعرعت في بيئة تعايش فيها المسلمون واليهود والنصارى الكاثوليك والأرثوذكس اليونانيون في وئام وانسجام.
والدها هو أحد روّاد السّينما التّونسيّة، المخرج ألبرت سمامة شكلي (1872 - 1934)، من عائلة يهوديّة عاشت في تُونس لفترة طويلة. ومثلما شجّع ألبرت اِبنته على تنمية شغفها بالسّينما، كانت هي ملهمته في الكثير من الأعمال، حيث كان يُصوّر كُلّ المشاهد الَّتي تُؤدّيها.
لقب «شيكلي»، هو اِسم مُستعار، اِختاره والدها في إشارة إلى جزيرة شيكلي الواقعة في بحيرة تونس، والَّتي اِشتراها والده ديفيد سمامة عام 1860. وقد كان الأخير مصرفيّ الباي (ملك تُونس في عهد الإمبراطوريّة العثمانيّة)، ومُؤسّس المصرفيّة الَّتي أصبحت فيما بعد بنك تونس.
فازت هايدي في مُسابقة «أجمل عُيون باريس»، وحصلت على لقب أوّل ممثّلة عربيّة، ممّا مكّنها من تنمية شغفها بالسّينما في سنّ مُبكّرة جدًّا، إلى جانب تطوير عشقها للكتابة، وهو نشاط شجّعته والدتها، بيانكا فيريرو، وهي إيطاليّة مسيحيّة، عملت مُمرّضة في الصّليب الأحمر.
خدمت هايدي السّينما التّونسيّة منذ بداياتها، وأدّت وهي في سنّ الرّابعة عشرة أوّل أدوارها في أوّل شريط تونسيّ قصير صامت بعنوان «زهرة» أخرجه والدها عام 1922. كما قامت ببطولة أوّل فيلم روائيّ تُونسيّ بعنوان «عين الغزال فتاة قرطاج» (La Fille de Carthage)، سنة 1924، أخرجه والدها ألبيرت وعُرض للمرّة الأولى في قاعة نوناز في تونس.
وقد ساهمت هايدي في كتابة سيناريو الفيلم، الَّذي يروي قصّة دراميّة لفتاة أجبرتها أسرتها على الزّواج من مزارع ثريّ وشرّير وحشيّ، رغم وقوعها في حبّ «طالب» مُعلّم المدرسة سرًّا (عمر الخليفي 1970، ص30)، وفي يوم الزّفاف، بينما كانت تجري الطُّقوس المقدّسة وتمثيلات المحاربين، تهرب الفتاة «عين الغزال»، وتنضمّ إلى حبيبها في الصّحراء، فيقبض الفرسان على العاشقين، ويقتلون «طالب»، بينما تُطعن «عين الغزال» وهي تحمي جسد حبيبها وخطيبها، هكذا تنتهي هذه الدّراما الرُّومانسيّة التُّونسيّة.
ويعرض سيناريو الفيلم وجهة نظر نسويّة تجسّدها بطلة شجاعة تأخذ مصيرها بين يديها، وتُقرّر التّحرّر من القيود الَّتي فرضتها عليها عائلتها. وقد أصبح الزّواج القسريّ فيما بعد الموضوع الرّئيسي للحركة النّسويّة التُّونسيّة. وكانت هايدي تُردّد في هذا السّياق: «لا أريد للمرأة حياة هادئة وسهلة، بل أريدها أن تقاتل وتجاهد من أجل حرّيتها. ولم تكن هايدي كاتبة سيناريو ومُمثّلة فحسب، بل قامت أيضًا بقصّ الأفلام وتلوينها يدويًّا في مناسبات عدّة.
وفي عام 1929، تزوّجت هايدي من الجزائريّ خليل تمزالي، وأصبحت تدعى هايدي شيكلي تمزالي، فغادرت تُونس مُتوجّهة إلى الجزائر حيث واصلت الكتابة. كانت ناشطة في المجتمع المدني، حيث أصبحت رئيسة الأعمال الاجتماعيّة، وأمين الصّليب الأحمر، ورئيسة رابطة مكافحة السّرطان.
كتبت العديد من القصص القصيرة والمقالات لصحيفة «لابراس» التُّونسيّة، النّاطقة باللُّغة الفرنسيّة، بالإضافة إلى مجموعة قصصيّة بمثابة السّيرة الذّاتيّة، بعنوان: «الذّاكرة المسترجعة» (Images Retrouvées)، عام 1992. كتبت عن حياتها ودفاعها عن دور المرأة في الأسرة والمجتمع، مُعبّرة عن رأيها في القضايا الَّتي تهمّ الأسرة، واِستنكارها لوضعيّة المرأة بأكملها. وأنهت كتابها قائلة: «أودّ أن أختم كلامي اليوم، وأنا في خريف حياتي، بأن أجمل شخصيّة للمرأة، هي أن تكون اِمرأة مُعتزّة بنفسها».
سجّلت هايدي حُضورها في فيلم «صيف حلق الوادي» (1996)، للمخرج التُّونسيّ فريد بوغدير، وظهرت أيضًا في الفيلم الوثائقيّ عن ألبرت سمامة شيكلي، للمخرج التُّونسيّ محمود بن محمود.
وفي آخر حياتها أصدرت كتابا حول فنّ الطّبخ، بعنوان «الطّبخ في شمال إفريقيّا : وصفات طبخ تونسيّة، جزائريّة ومغربيّة (La Cuisine en Afrique du Nord)، (444 وصفة من بينها 33 نوع من الكسكسي)، بتعليقات فيها الفولكلوريّ والإنسانيّ والاجتماعيّ. وقد صدر الكتاب بعد وفاتها سنة 1999.
وتوفّيت هايدي تمزالي، في 20 أغسطس 1998 عن عُمر يناهز 92 عامًا.
سنيا مبارك
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية