هي كريمة المربّي والشّاعر الطّاهر بالعربي ورفيقة درب المربّي والشّاعر مصطفى عزّوز. وُلدت في مدينة تونس في 18/8/1926. زاولت تعليمها النظاميّ بالمرحلة الابتدائية ثمّ انقطعت بسبب نزعة عائلتها المحافظة ؛ لكنّ «هذه العائلة نفسها لم تبخل عليها بمواصلة التّعليم بالمنزل على يد ثلّة من الأساتذة والشّيوخ [..] ويبدو أنّ طريقة التّعليم هذه لم تشبع رغباتها فانكبّت على المطالعة تقضي فيها غالب أوقاتها، وشُغفت بالأدب فكانت تلتهم كلّ ما يأتي به والدها الأديب الطّاهر بالعربي من كتب ومجلاّت (محمّد العروسي المطوي، تقديم في الدرب الطويل، ط.18، ص 5). وبذلك تكون قد كوّنتْ نفسها تكوينا عصاميّا حتّى غدتْ - إثر الاستقلال (1956) - «إحدى رائدات النّهضة الأدبيّة النسائيّة في تونس» (بوراوي عجينة، هند عزّوز : مسيرتها الأدبيّة [الملفّ 28 في قسم التراجم] ضمن موسوعة القصص العربيّة في تونس في القرن العشرين، ص 693.)،كما اعتُبرت واحدةً من رائدات الإعلام السّمعيّ والإنتاج الإذاعيّ؛ فلقد التحقت سنة 1959 بالإذاعة الوطنيّة التونسيّة وتقلّدت رئاسة قسم المشاريع، مع تكليفها بالبرامج الثّقافيّة وبقسميْ التّمثيل والموسيقى (من حوار لها على موقع أبجد).
وككلّ أديبات تلك المرحلة اهتمّتْ بقضايا المرأة وبمشاغل الأسرة ؛ فانضمّتْ إلى الهيئة التنفيذية لـ «لاتّحاد القوميّ النّسائيّ التّونسيّ» ورأستْ تحرير «مجلّة المرأة» وأنتجتْ عديد البرامج، منها «مجلّة الأسرة» ؛ كما قدّمتْ «مع الأستاذ منجي الشّملي برنامج (رواق الحياة) ثمّ برنامج (مع أدبائنا الناشئين) «الذي لاقى نجاحا كبيرا وقد استمر بثّه 14سنة» (من حوار لها على موقع أبجد).
طرقت باب النّشر منذ عام 1949، فظهرتْ نصوصُها قصصًا ومقالاتٍ في عدد من صحف تلك المرحلة ومجلاّتها (بوراوي عجينة، مرجع سابق،ص 689.):«العمل» -«البيان»-«الفكر» -«الإذاعة» -«قصص» .وأصدرتْ عام 1969 مجموعة قصصيّة وحيدة :«في الدرب الطويل»، وقد قدّم لها المرحوم محمّد العروسي المطوي.
اشتملت الطّبعة 18 من هذه المجموعة، بعد الإهداء والتّقديم، على 17 أقصوصة أُردِفت بمختارات ممّا قاله فيها بعضُ أدباء تلك المرحلة أمثال البشير خريّف وجعفر ماجد. وممّا انشغلت به الكاتبة في هذه المجموعة موضوع تضحيّة المرأة، ومؤازرتها رجال المقاومة ضدّ المستعمر الفرنسي، وقد تجلّى ذلك في قصّتيْها “الخائن الأمين” و “من شظايا الثورة” (نزيهة الخليفي: القصّة النسائيّة في تونس: انفتاح وتجاوز «مجلّة الجديد الرقمية، الجمعة 6/11/2020). والمرأة الحقّ، في نظرها، هي التي تجمع إلى اللّطافة والرّقّة واكتمال الأنوثة سدادَ الرّاي وحسنَ التّصرّف، تجسّد ذلك – مثلا- في قصّتها «هنيئا لكم معشر الرجال» (في الدرب الطويل، ط. 18، دار نهيل للنشر والتوزيع، تونس،ص 44-48).
والمتأمّل في كتاباتها القصصيّة يلفت انتباهَه حرصُها على سلامة اللّغة العربيّة وصفاء عبارتها وعمق الفكرة واكتمال بناء الحبكة، فلا شيء يّترك للصّدفة حتّى تكون النهايةُ مقنعة غاية الإقناع. كلّ ذلك في منزع واقعيّ صارم تشقّه، من حين إلى آخر، ومضات رومانسيّة آسرة (ينظر على سبيل المثال قصّتها حنين يعود، في الدرب الطويل ، م، س، ص 17-27).
قال عنها محمّد صالح الجابري -في سيّاق حديثه عن أدب المرأة في تونس بعد الاستقلال- : كانت لا «تنفكّ تبذل جهودا في كتابة قصص قصيرة تتميّز ببعد النظرة وبالتحليل النفسي [يُنظر على سبيل المثال قصّة «الخائفة، ص 33-38] (الأدب النسائيّ في تونس ضمن دراسات في الأدب التونسيّ، الدار العربيّة للكتاب، تونس – ليبيا، 1978 ص 267).
وقالت نزيهة الخليفي معمّمة الحكم على قصص الكاتبات الرائدات : وأمّا من حيث الجانب الكيفيّ، فإنّ مرحلة البدايات، أي الرّائدات في تاريخ الكتابة النسائيّة في تونس، في مجال القصّة القصيرة، تميّزت بالاتّجاه الواقعيّ وطرح قضايا تتعلّق بالحرّية والوطن والتّعبير عن الواقع الاجتماعيّ، والغوص في أعماق المجتمع التونسيّ، وتأكيد دور المرأة في إدارة الاقتصاد العائليّ [يمكن الإشارة في هذا الصّدد إلى قصّة هند عزّوز «؟» حيث استطاعت الزّوجة، بصبرها وحكمتها، إصلاح زوجها المدمن على الخمرة والقمار، ص39-43] (نزيهة خليفي، «القصّة النسائيّة في تونس : انفتاح وتجاوز»، مجلّة الجديد الرقمية ، الجمعة 6/11/2020)
ومن إنتاجها الأدبي بعد كتابها الأول «في الدرب الطويل» ما أورده بوراوي عجينة أثناء ترجمته لها في موسوعته (مرجع سابق ص 690). وهذه صورة منه:
• «كلّها قلب» أو «من شظايا الثورة» مجلّة قصص : العدد المزدوج 26/27، أفريل – سبتمبر 1973، ص 81 وما بعدها
• «صفعة من يد القدر»، مجلّة «الحياة الثقافيّة» العدد 53، سنة 1989، ص 97-100.
• «سنيا يوسف الشّاعرة التي هامت بجمال قمّرت»، مجلّة «الإذاعة والتّلفزة» بتاريخ 26/2/1989.
وذكرت الكاتبة ذاتها في حوار لها منشور على موقع أبجد ، قالـت: «وعنوان كتابي المنتظر صدوره هذه الأيام هو (ندوب على جدار الصّمت)»
وكانت، قبل أن تُحال على شرف المهنة سنة 2002، قد تحصّلت على الوسام الثقافيّ (1995). ثمّ كُرّمت، بعد عقد من الزمان في ندوة الكتابة القصصيّة والأدب الشعبي بمناسبة الملتقى الدوريّ لنادي القصّة (علياء بن نحيلة، جريدة الصباح يوم 30 / 09 / 2012). وإثر وفاتها (9/2/ 2015) كرّمتْها الجائزةُ العربيةُ مصطفى عزّوز (ريم شاكر : الإعلان عن نتائج مسابقة الجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطّفل لسنة 2015. نُشر في التّونسيّة بتاريخ 20/3/2015).
ومجمل القول إنّها أديبة عصاميّة حفلتْ مسيرتها الأدبيّة بالعطاء إبداعا قصصيّا ونشاطا ثقافيّا عبر موجات الإذاعة التونسيّة وعلى منابر النوادي والجمعيّات ...ولقد لقيَ جهدها صدى عند نقّاد تونس وباحثيها أمثال محمّد فريد غازي وأحمد ممّو وأحمد الحاذق العرف وجان فونتان ( Jean Fontaine) ومحمد صالح الجابري وعمر بن سالم وبوراوي عجينة.
ولعلّ خير ما نتوّج به ترجمتها نموذجٌ من أسلو بها في الوصف، تقول في مطلع قصّتها: «سهرة بين الخنافس «(ط 18، ص 118): جلس منهوكا على المقعد قبالتي بإحدى مقاهي ضاحية قمّرت الجميلة، وهو في اضطراب نفسيّ ملحوظ، عيناه تبحثان عن شيء غير مستقرّ، فكرُه شاردٌ، يدُه اليسرى تعبثُ بسوار يده اليمنى في حركات بطيئة تارة ، حثيثة أخرى، وهي في كلتا الحالتين حركاتٌ عصبيّة تنمّ عمّا يحسّ به من حيرة وتوتّر..»
حسين العوري
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية