جودة بن عبيد، الأستاذة المبرّزة في الطبّ النفسي للأطفال والمراهقين، هي رائدة في مجال إدخال علم الإدمان ضمن منظومة الرعاية الصحية في تونس. فلقد أنشأت أوّل قسم جامعي لرعاية الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الإدمان وخاصة من تعاطي المخدّرات حيث عملت على نقل معارفها ومهاراتها في هذا المجال. وبفضل عزيمتها وإصرارها تمكّنت بعد سنوات من النضال من إقناع السلطات بالموافقة على إنشاء مركز «الأمل» (Centre L’Espoir) لرعاية المدمنين بالمجمع الصحي بجبل الوسط (ولاية زغوان) الذي فتح أبوابه في نوفمبر 1998، وتسلمت فيه رئاسة قسم التثقيف والوقاية وعلاج الإدمان على المخدّرات وذلك منذ تاريخ إنشائه حتى خروجها للتقاعد مما مكّنها من تكوين فريق من الشباب الذي كفل استمرار هذا الصنف من الرعاية الصحية.
كما شاركت بنشاطها الفعّال، صلب المجتمع المدني، في الدفاع عن حقوق المرأة والأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسب بصفتها عضوًا مؤسّسًا ورئيسة للجمعية التونسية لمكافحة الإيدز (Sida) والمخدّرات وكذلك رئيسة للجمعيّة التونسيّة للمرأة في المهن الطبّيّة والاجتماعيّة.
ولدت جودة بن عبيد في 28 اوت 1953 بتونس العاصمة.
تابعت دراستها الابتدائية في مدرسة الراهبات بخزندار ودراستها الثانوية في معهد كارنو «Lycée Carnot» في تونس العاصمة حتى حصولها على شهادة البكالوريا في العلوم التجريبية سنة 1971 ثمّ التحقت سنة 1972 بكلية الطبّ في ستراسبورغ (Strasbourg) بفرنسا لإتمام تعليمها العالي في الطبّ. بعد إنهاء دراستها الطبية سنة 1980، عملت طبيبة داخلية بفرنسا بالمركز الاستشفائي روفش (Centre Hospitalier de Rouffach)، المتخصّص في الطبّ النفسي حتى موفى ستة 1984، ثمّ من 1984 الى 1986 بمؤسسة الصحّة النفسيّة العامّة جورج دوميزون (Établissement Public de Santé Mentale Georges Daumezon). بعد انتهاء هذه الفترة تابعت جودة، بين سنة 1986 وسنة 1989 عدة دورات تدريبية في الطب النفسي للأطفال والمراهقين بفرنسا بمراكز ومستشفيات مختلفة كمركز الطب النفسي ألفريد بينيت (Alfred Binet) بباريس (Paris 13ème) والمركز الاستشفائي لمؤسسة فالي بجينتيلي (Centre hospitalier Fondation Vallée à Gentilly).
نالت الدكتوراه في الطبّ في اختصاص الطبّ النفسي للأطفال والمراهقين عام 1988، بعد أن ناقشت بتفوق أطروحتها في كلية الطب بباريس (Paris XII)، وأسندت لها الميدالية البرونزية للكلية عن تلك الأطروحة المتميزة التي حملت عنوان «مكانة الطب النفسي للأطفال في الدائرة الطبية والاجتماعية للطفولة».
عادت جودة بن عبيد سنة 1989 إلى تونس حيث التحقت كطبيبة بمستشفى الرازي بمنوبة (تونس). وبعد حصولها على التبريز سنة 1995 تمّ قبولها كأستاذة مبرزة في الطب النفسي بكلية الطب بالمنستير وكطبيبة مختصة بالمستشفى الجامعي فطومة بورقيبة.
وإدراكًا منها لكون المخدّرات تشكّل تهديدًا لكثير من الشباب في تونس، فإنّها لم تتوقف، منذ عودتها إلى البلاد، عن مطالبة مسؤولي الصحّة بإنشاء هياكل للرعاية الطبيّة متعدّدة التخصّصات لمدمني المخدرات يكون للطب النفسي مكان مهمّ فيها. وهكذا، على الرغم من حقيقة أنّ إدمان المخدّرات موضوع محظور، ونادراً ما يتمّ الحديث عنه حتى في الوسط الطبي، فقد تبنّت جودة بن عبيد القضية وناضلت لعدّة سنوات من أجل التكفل به طبّيا وإدخاله ضمن خدمات الرعاية الصحية. وقد أثمرت مثابرتها في نهاية المطاف وتمّ تحقيق رغبتها من خلال إنشاء مركز «الأمل» في نوفمبر 1998 في مجمع جبل الوسط الصحّي (ولاية زغوان)، المتخصّص في الرعاية الصحية للسلوك الإدماني، وعلى وجه الخصوص علاج مدمني المخدّرات وأصبحت جودة رئيسة فيه لقسم الوقاية من الإدمان وعلاجه بوزارة الصحة التونسية ابتداء من عام 1998 حتى خروجها للتقاعد في 2016.
ومنذ تاريخ إنشائه حتى مارس 2008، استقبل هذا المركز 1500 مدمن مخدرات لعلاجهم.
كانت هذه المبادرة نقطة البداية ومقدّمة لافتتاح مركز آخر في صفاقس سنة 2007، وهو مركز النور. كما سمحت لعلم الإدمان بأن يصبح موضوع اهتمام للمهنيين الذين أسّسوا في جويلية 2015 الجمعيّة التونسيّة لعلم الإدمان التي تجمع بين مختلف المهنيين المعنيين بمسألة إدمان المخدرات وموضوع الإدمان بشكل عام.
وقد كانت جودة بن عبيد أيضًا عنصرا فاعلًا في المجتمع المدني حيث شاركت في العديد من أنشطته المختلفة للدفاع عن القضايا العادلة التي كانت تشغلها، وساهمت في تأسيس ورئاسة جمعيّات متعدّدة كالجمعية التونسية للصحّة العقليّة عام 1992، والجمعية التونسية لمكافحة الإيدز وإدمان المخدرات (ATIOST) في عام 1993، انطلاقا من حقيقة أنّ 30٪ من مرضى الإيدز في تونس هم من مدمني المخدرات، بحيث تشملهم عناية المؤسّسة التي ترأستها. كما ترأست الجمعية التونسية للمرأة في المهن الطبية والاجتماعية ( 1994)، و كانت عضوا في الجمعيّة التونسيّة للطبّ النفسي.
وإلى جانب نشاطها الدؤوب في المجتمع المدني، ألقت جودة بن عبيد عديد المحاضرات العلمية والتحسيسية ونشرت المقالات وأجرت العديد من الاستشارات والخبرات. كما ساهمت في تأليف دليل لخلايا العمل الاجتماعي المدرسي، وكذلك دليل الصحة النفسية لأطباء الصحة العمومية باللغة الفرنسية:
1- Guide à l’usage des Cellules d’Action Sociale Scolaire. Ministère des Affaires Sociales, Ministère de l’Education, Ministères de la Santé Publique, avec le concours de l’Unicef. 2000
2 - Manuel de santé mentale à l’usage des médecins de la santé publique. Programme National de Santé Mentale. Direction des Soins de Santé de Base. Ministère de la Santé Publique «Automédication, usage rationnel des médicaments et lutte contre la toxicomanie».
توفّيت جودة بن عبيد يوم 26 نوفمبر سنة 2022.
أمّ كلثوم بن حسين
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية