اسمها كما يذكر ابن رشيق القيرواني: خديجة بنت أحمد بن كلثوم المعافري (أنموذج الزمان في شعراء القيروان، جمع وتحقيق محمد العروسي المطوي وبشير البكّوش ، طبعة تونس والجزائر 1986 ص: 123). وخدّوج لقب لها يفيد التحبّب والاستلطاف . ويبدو مثلما أشار إلى ذلك الأستاذ الشاذلي بويحيى أنّ خدّوج وخدّوجة صيغتان مأنوستان دارجتان إلى اليوم بالبلاد التونسية من اسم خديجة (الحياة الأدبيّة بإفريقيّة في عهد بني زيري. تعريب محمد العربي عبد الرزاق. تونس. بيت الحكمة 1999. المجلد الأول. ص:260).
وقد عاشت خدّوج الرّصفيّة (بضمّ الرّاء وتسكين الصاد) في أواسط القرن الرابع للهجرة/ العاشر الميلادي وأدركت الربع الثاني من القرن الخامس/ الحادي عشر، وذلك في افريقيّة في العهد الصنهاجي (362 - 555 هـ / 972 - 1160م). وهي من عائلة عربيّة «كان قدم أوائلها بعد الفتح الإسلامي». (حسن حسني عبد الوهاب، شهيرات التونسيات. تونس. المطبعة التونسية 1934. ص: 53).
وخدّوج من أهل رصفة (بضمّ الرّاء) وهي المسمّاة قديما عند القرطاجنّيين والرّومان والرّوم باسم Ruspea، وهي مرفأ صيد صغير يقع جنوبي المهديّة قرب رأس كبّوديّة حيث توجد حاليا بلدة الشابّة ما بين المهديّة وصفاقس. (المرجع السابق ص: 56 والحياة الأدبيّة ، مرجع سابق. ص: 260).
اشتهرت خدّوج بكونها شاعرة. وقد ترك لنا ابن رشيق شهادة عنها تناقلها عنه أغلب القدماء والمحدثين وهي قوله : «... وهي شاعرة حاذقة مشهورة بذلك في شبيبتها... ولها ترسّل لا يقع مثله إلاّ لحذّاق المترسّلين» (الأنموذج، مرجع سابق. ص: 123). وهي شهادة – كما يذكر العلاّمة حسن حسني عبد الوهاب – «ذات قيمة معتبرة» (شهيرات ... مرجع سابق. ص: 53).
وما انتهى إلينا وبلغنا من أخبارها وشعرها شيء قليل. وغاية ما نعلمه عن حياتها الأدبيّة أنّها عاشت قصّة حبّ مع شاعر شابّ يدعى أبا مروان ، قد يكون من أصل أندلسيّ ولا نعرف عنه سوى كنيته وقصّة حبّه مع خدّوج (الحياة الأدبيّة ، مرجع سابق ص: 245. ويذكر عبد الوهاب اسمه على النحو التالي: «أبو مروان عبد الملك بن زيادة الله» ويرى بويحيى معقّبا أنّه لا يوجد ما يجيز هذه المطابقة بين الشخصين. الحياة الأدبية، ص: 246). ويبدو أنّه كان مؤدّبا لها، فتعلّق بها تعلّقا شديدا. و«قد مال قلب خدّوج إليه أيضا لأدبه وكياسته فجاشت قريحتها ونبع ذوقها السليم بالنظم الرقيق الجيّد». (شهيرات، مرجع سابق، ص: 53). وظلّ حبّ الشاعرين طاهرا عفيفا، وكان مصدر إلهام لكلّ منهما، ونشأت مراسلات بين الحبيبين. (الحياة الأدبيّة، مرجع سابق، ص:246). ومثلما حصل لغيرهما من عشّاق العرب منذ القديم تصدّى بعض الوشاة المغرضين لحبّهما وغرامهما فكدّر صفوه. (شهيرات ، مرجع سابق ، ص: 53) فمن شعرها في ذلك: [الخفيف]
جمعــــــوا بيننا ، فلمّا اجتمعنـــــــا
فرّقــــــــــــــونا بالزّور والبهتـــان
مــــــــــــــا أرى فعلهم بنا اليوم إلاّ
مـثل فــعل الشيطان بالإنســــــــان
لهْف نفســــي عليّ ، يا لهْف نفسي
منك إن بنت يـا أبــــــــــا مــروان
(الأنموذج، مرجع سابق، ص ص: 123-124. روى عبد الوهاب البيتين 1 و 3 بصيغة أخرى معتمدا على رواية جريدة القصر للعماد الاصفهاني).
ويبدو من هذه الأبيات الثلاثة «أنّ أمر خدّوج وحبيبها ذاع خبره بين أهل رصفة... فغار لذلك إخوتها وفرّقوا بين العاشقين، ولم يقبل لأبي مروان طلبه يد خدّوج بل إنّه أبعد منها وردّ عنها». (شهيرات، مرجع سابق، ص:53) بل وصل الأمر بإخوتها إلى أن قتلوا حبيبها ولعلّها كانت «تخشى بالخصوص مثل ذلك المصير الفاجع الذي سوف يؤول إليه فعلا عشيقها وقد قتله إخوة خدّوج عندما اشتهر حبّهما» (الحياة الأدبيّة، مرجع سابق، ص:261). فأوحى إليها ذلك بمقطوعة في سبعة أبيات «تندب فيها الشاعرة شقاوتها في حبّها وتشكو شدّة أخيها الأكبر عليها وتذكّره في كنف التقدير والإذعان بالواجبات التي تفرضها عليه صفته الأخ الأكبر». (المرجع السابق. الصفحة نفسها)
تقول خدّوج متوجّهة إلى أخيها : [الكامل]
أ أخـــــــــــي الكبير وسيّدي ورئيسي
ما بال حظّي منك حظّ نـــحـــــيس
أبغـــــــــــي رضاك بطاعة مقرونة
عندي بطاعة ربّي القــــــــــــدّوس
فإذا زللت وجدت حلـــــــــمك ضيّقا
عن زلّتي أبــــدا لفرط نــــــحوسي
ولقد رجوت بأن أعيش كريـــــــــمة فــــــي ظلّ طود دائم التعــــــريس
ببقاء عزّك لا عدمت بقــــــــــــــاءه فإذا أنـــــا أصلى بحرّ شـمــــــوس
يا سيّدي مــــــــــــا هكذا حكم النّهى حـــــــقّ الرئيس الرفق بالمرؤوس
فإذا رضيــــــــــــت لي الهوان رضيته
وجعلت ثوب الذلّ خير لبــــــوسي
(الأنموذج. مرجع سابق. ص:124.)
وقد علّق الأستاذ بويحيى على هذه المقطوعة قائلا : «وهذه الأبيات المكتوبة في لغة زاخرة، مع الوضوح والخلوص من التكلف، والمتّسمة بطابع غنائي شخصيّ يجمع بين عزّة النفس وعمق الشجى، تتميّز بالطلاوة والعذوبة، وهي تعزّز رأي ابن رشيق الذي يستجيد شعر خدّوج ونثرها ». (الحياة الأدبيّة، مرجع سابق، ص:261)
وماذيوع شهرة خدّوج وانفرادها بصفة شاعرة من شاعرات افريقيّة إلاّ دليل على قيمتها ومكانتها. فالمصادر تصمت عادة عن كلّ ما يتّصل بحياة المرأة «ولا يمدّنا المؤلّفون القدامى بشيء من أخبار النساء الشواعر إلّا إذا كان ذلك من باب الغفلة وعدم الاحتياط أو في حالات الشهرة الذائعة» (المرجع السابق، ص ص: 494-495.) ويضيف بويحيى قائلا : «...وقد كانت المرأة بحكم قلّة مشاركتها في الحياة العامة محلّ تجاهل وإغفال من قبل الكتّاب ولا سيّما المؤرّخين ... وكانت منزلتها الاجتماعية تجعل الحديث عنها محظورا على الكتّاب». (المرجع السابق ، ص ص:535-536.).
ومع ذلك تمكّنت خدّوج الرصفيّة من ترسيخ قدمها وإثبات ذاتها إلى جانب شاعرات أخريات قليلات مثّلن ما سمّاه الأستاذ بويحيى بــــــــ «الجمهور النسائي» مثل: أخت العُميْلة (بضمّ العين وتسكين الياء) وأمّ الصرائري والجازية الهلالية التي نسبت إليها أشعار باللهجة العامية. (المرجع السابق، ص: 566. وشهيرات، مرجع سابق، في مواضع مختلفة.).
ومهما يكن الأمر فإنّ أشعار خدّوج التي وصلت إلينا – على قلّتها وندرتها – «لتجسّم لنا حالة نادرة جدّا نسبيّا في الأدب العربي نجد فيها امرأة شاعرة تتغنّى بحبّها». (الحياة الأدبيّة، مرجع سابق ، ص:261.).
فاروق العمراني
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية