خديجة شعور، أصيلة جزيرة قرقنة، ولدت في مدينة صفاقس العتيقة سنة 1915، كان والدها يعمل في سلك الديوانة بصفاقس، وهي أخت لأربع بنات وولدين. عاشت في أسرة لا ترى ضرورة لتعليم البنت ولذلك التحق أخواها بالمدرسة في حين التحقت هي بدار «معلّمة» وهي في سنّ العاشرة حيث اكتسبت معرفة ومهارة في مجال الخياطة والتطريز وشؤون المنزل، وتزوّجت وهي في السادسة عشرة من رجل عمره 32 سنة.
كان زوجها، رابح عاشور من مؤسّسي الاتحاد العامّ التونسي للشغل، وهو من أقرباء الزعيم الرّاحل الحبيب عاشور، وتحمّل مسؤوليّة كاتب عامّ فرع شركة السّكك الحديديّة (أحد معاقل الاستعمار)، وكان أخوها علي شعور ناشطا نقابيّا أيضا طالما ساعد فرحات حشّاد والحبيب عاشور، وكان يعمل في الأشغال العامّة.
وقد كانت خديجة شعور تعرف علاقة الزعيم النقابي فرحات حشاد بالزعيم الحبيب بورقيبة، وكانت على علم باللقاء السرّي الذي تمّ – في منزل الحبيب عاشور – بينه وبين علي الزّاهي ومحمد العون والذي أسفر عن خروج الحبيب بورقيبة متنكّرا – عبر قرقنة – إلى المشرق العربي وعن سجن السلطة الفرنسيّة لعاشور في ثكنة باب القصبة بصفاقس.
انخرطت خديجة شعور في الاتحاد النسائي الإسلامي عام 1950 مع مجيدة بوليلة وكانت تحضر الاجتماعات وتقوم بالدعاية وتجمع الاشتراكات وتوزّع البطاقات على النساء في مختلف أنحاء ولاية صفاقس صحبة فطومة النملة والسيّدة الدوّ.
عام 1952، خرجت في كثير من المظاهرات وألقي عليها القبض في مظاهرة 8 مارس 1952 ضمن مجموعة من النساء والشبّان وتعرّضت للإيقاف ليلتيْن ثمّ حُكم عليها بالسجن شهرا مع تأجيل التنفيذ وبغرامة بخمسين ألف فرنكا. وكان خوفها أثناء الاعتقال على متفجّرات أخفتها في منزلها على ذمّة «جماعة التخريب» (وهم فصيل من المقاومين) قالت عن إيقافها «اللّيلة الأولى لم أنشغل، أمّا اللّيلة الثانية فقد انشغلت لأنّ لي تسع قنابل تركتها في مقصورة داري لرجال المقاومة. خفت على ابني الصغير من دخول المقصورة.. كان لي موعد مع محمد بوذينة، وهو مناضل من جماعة التخريب، كي أسلّمه المفرقعات...» هذه المتفجّرات جزء ضئيل من ذخيرة حربيّة كبيرة تركها فيلق من الجيش الألماني في بستان للعائلة و(جنان) في ضيعتها (طريق عطيّ كلم 12) فأخفته بمعيّة زوجها وظلاّ يزوّدان به الثوّار على مدى سنوات، (تقول في شهادة شفويّة لها : «حفرنا أنا وراجلي في الأطراف متاع الأرض خنادق، وحوّلنا القنابل (المفرقعات) بالسياسة وغطّيناهم، وحطّينا ظلف الهندي ومشينا.. ! «). كان هذا انطلاقا من عام 1952، بداية الكفاح المسلّح وانطلاق عمليّات التخريب وتفجير الجسور ومحوّلات السّكك الحديديّة.. وكان لهذه السيّدة إسهام في نقل المفرقعات لتوزيعها على المقاومين لا يكون إلاّ لمن كان له – من الرجال أو من النساء – قلب حديد وإيمان راسخ بما يفعل، وكانت تفرح وتطرب كلّما سمعت بتفجير في مكان مّا: «نقول المهمّ تزعزعوا الأمن على فرنسا.. !»
وقد كان من عادة المناضلة خديجة شعور أن تظلّ – بعد تزويدها المقاومين بالمتفجّرات التي كانت تنقلها، هي ورفيقات لها أخريات، في قفاف تُوضع في أعاليها للتمويــه خضر أو غلال - أن تظلّ تتطلّع إلى أخبار المقاومة في منطقتها وتتلقّط ما يُقال عن حوادثها وما يحصل للمقاومين من آثار. وكانت تزور المساجين وتشجّعهم : تقول في شهادة شفويّة لها باللّهجة التونسيّة : «علي خويا والبشير زرق العيون تشدّوا وهزّوهم للحبس في تونس. وثمّة من صفاقس التيجاني الحديجي والهادي داود والطّاهر كمّون وبرشا آخرين. كنت نمشي نزورهم. على شعور – خويا – يقول لي : يا خديجة، جيب لنا كعيبات مرقاز وإلاّ هاك الخبز الطويل !» نعمل روحي ما فهمتش وخايفة مالحرّاس بحذانا. نقول له : كيف تخرج كول اللّي تحبّ !. وهو يقصد بها المفرقعات، - يحبّ – يخرّب السّجن (...) أنا نعرف أكثر المناضلين والزعماء، ومنهم سي الهادي شاكر، لكن أسراري متاع السلاح ما يعرفوها كان المعنيّين بالأمر في التخريب !..»
وقد كان لها أيضا نشاط اجتماعي وخيري يتمثّل في زيارة المساجين وتقديم المساعدة للفقراء والأيتام والأرامل، ولا سيّما في شهر رمضان، كما كان لها عطف خاصّ على عائلات المناضلين الذين يتمّ اعتقالهم فكانت تزورهم مع زميلاتها من المناضلات ومنهن فطومة ومبروكة النملة وفطومة بوراوي وفاطمة وصالحة القايد وسيّدة الدوّ وغيرهنّ (بنات الشريف وبنات الخضراوي وبنات العكروت). كما استقبلت في منزلها عديد الثوار وقدّمت لهم المساعدة والغذاء ولم تكن تخشى من ذلك على أمنها وأمن أسرتها، وواصلت النضال مع زميلاتها من نساء جهة صفاقس حتّى الاستقلال. وقد مرّت مسيرتهنّ – ومسيرة النضال الوطني – بأزمات وأوقات حرجة كان من أهمّها، بالنسبة إليها هي خاصّة، وفاة رفيقتها مجيدة بوليلة واستشهاد الزعيميْن فرحات حشاد والهادي شاكر.
بعد الاستقلال فضلول كعيبات متفجرات كبار. قلت توه آش مازلنا نعملو بيهم ؟ السلطة لينا، وبلادنا رجعتلنا مشيت أعلمت «سي محمد بوذينة»، هو في الجامعة الدستورية. قلّي نعملوا مراسلة للسيّد الوالي، عملنا.
وقتها الوالي «سي الزين محسن»، وإلا قبلو «سي أحمد الزاوش». وبعد جاونا للجنان عسكر بآلات في سيارة عسكريّة. وجا معاهم «المختار الشابي». قاموا السلاح اللّي عندي وهوما يشوفوا بآلات ومرايات خاصة وخرجوا الذخيرة الباقية، «المختار الشابي» قلي : «يا خديجة مقواك، عندك ما يفوّر بلاد كاملة، ما أصحّ راسك». هزّوه الكل. بعد ما مشاوا، صبيت القاز على طول الطابية وشعّلت النار. قلت إذا فضلت حاجة تفرقع. بعد خفت على روحي نتحرق.
إنّ السيّدة خديجة شعور تُعتبر من رموز النضال النسوي الحركي ومن السيّدات اللاّتي أسهمن على نحو فعّال في استقلال تونس وتحريرها. وهي لئن اعترفت لها دولة الاستقلال بهذا الدور وكرّمتها بوسام الاستقلال (الذي لم تكترث كثيرا لتسلّمه) فإنّها لم تطلب منها شيئا ولم تنل على نضالها سوى راحة الضمير ورفعة السمعة.
توفّيت هذه السيّدة الفاضلة المناضلة يوم الأحد 26 ماي 2013.
السيّدة الدّو القايد
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية