0 Loading ...

موسوعة النّساء التّونسيّات موسوعة النّساء التّونسيّات

ليليا باش حانبة (الحجري)

[1923-2012]
مجالات النشاط
  • الالتزام والنّضال في الحياة العامّة

ولدت ليليا باش حانبة في 19 نوفمبر 1923 بتونس العاصمة وسط عائلة تركيّة الأصل وكثيرة العدد تتألّف من تسعة أبناء (خمس بنات وأربعة أولاد) هي أصغرهم. كان والدها ابن عمّ الزعيم الوطني علي باش حانبة مؤسّس حركة الشباب التونسي، مالكا عقاريّا ميسور الحال.

ورغم أنّ تعليم البنت في العشرينات والثلاثينات كان صعبا في بعض الأوساط، فقد حرصت والدتها السيّدة فاطمة على تعليم أبنائها دون تمييز بين الذكور والإناث كما علّمتهم العزف على آلة البيانو. وفي سنّ السادسة التحقت ليليا بمدرسة «الأخوات» الدينية الابتدائية ثمّ التحقت بكوليج البنات بمونفلوري.

في سنة 1944 وبعد نهاية معارك الحرب العالميّة الثانية بتونس، تزوّجت ليليا باش حانبة من السيّد الحبيب الحجري أصيل بلدة بوحجر بالساحل التونسي، الذي كان يشغل خطّة قابض أوّل بالإدارة الجهويّة للماليّة بصفاقس منذ أواخر الثلاثينات. استقرّت بمدينة صفاقس وبقيت فيها 25 سنة وأنجبت ثلاثة أولاد وثلاث بنات وهم على التوالي: آمال (حرم اللاعب السابق للنادي الصفاقسي والمنتخب الوطني، المنجي دلهوم)، عبد الله، البشير (الحارس السابق للنادي الصفاقسي والمنتخب الوطني)، هدى (حرم لا عب وممرن الملعب التونسي، المرحوم أحمد االمغيربي)، منّة (حرم الهاشمي صيود) وسليم.

وبمدينة صفاقس تعرّفت عائلة الحبيب الحجري وحرمه ليليا باش حانبة على كبرى العائلات الصفاقسية وتعايشت معها كأفضل ما يكون. ومن مظاهر هذا التعايش والتواصل زواج أبنائها وبناتها بعائلات صفاقسية عريقة على غرار زواج ابنتها آمال من لاعب النادي الصفاقسي والفريق الوطني الموهوب، المنجي دلهوم.

كما كانت لها علاقة بالزعيم الحبيب بورقيبة الذي كان يكنّ لها احتراما كبيرا وعندما يلتقي بها يقول لها: «مرحبا بك أنت من عائلة الزعيم الكبير علي باش حانبة». كما ربطتها علاقة متينة بزوجته وسيلة بن عمار منذ فترة الصغر بحكم تجاور عائلتيهما في السكن قبل زواجهما وقضّيا فترة من صغرهما معا. وتأكيدا لذلك كانت وسيلة تقول لها عند لقائهما: «يا ليليا كيف صبرت على تونس واستطعت العيش في صفاقس؟ « فتجيبها قائلة: «لِمَ لا؟ وَجَدْتُ في صفاقس أناسا وأحبابا أصبحوا أهلي وأنسَوْنِي الغربة». وقد ساهمت هذه العوامل والمناخ الجديد الذي وجدته بصفاقس في انخراطها في العمل الوطني، السياسي والجمعياتي النسوي.

بدأت ليليا باش حانبة الحجري نشاطها بداية من سنة 1946 مع مجموعة من النساء بحضور بعض الاجتماعات بصفاقس برئاسة «الاتحاد النسائي الإسلامي» الذي كانت ترأسه بشيرة بن مراد منذ نشأته سنة 1936. وقد جمعت هذه اللقاءات عديد النساء من عائلات صفاقسية وجيهة ووطنيّة في ذات الوقت تتقدمهم السيّدة مجيدة اللوز، زوجة المناضل محمود كريشان رئيس الجامعة الدستوريّة بصفاقس. وكانت حينئذ تطمح إلى تأسيس فرع للاتحاد النسائي الإسلامي بصفاقس وفتح فروع له في عديد المدن داخل الإيّالة على غرار سوسة والكاف والقيروان ونابل وتطاوين... الخ.

وصادف أن تمّ إثر الحرب العالميّة الثانية تعيين الأستاذ عبد المجيد عطيّة وزوجته حليمة أستاذين للغة والآداب العربيّة بمدينة صفاقس فاتصلت بالأستاذة حليمة عطيّة وبالمعلمة وسيلة بن سعيدة اللتين وافقتا على فكرة الاتحاد وانطلقت اتصالاتها ببشيرة بن مراد بتونس العاصمة. وبعد ترتيبات رأى فرع الاتحاد النسائي الإسلامي بصفاقس النور في ربيع 1949.

وعلى إثر تأسيس المناضلة الشابّة مجيدة بوليلة لكتّاب بمدينة صفاقس (قرب الناصريّة سنة 1949) لنشر التعليم ومحو الأميّة، ما لبث أن تحوّل إلى مدرسة للبنات، عملت ليليا الحجري بوصفها رئيسة فرع «الاتحاد النسائي الإسلامي» بصفاقس على ربط الصلة بين الاتحاد وهذه المدرسة ومثيلاتها. وقد أثمر التعاون بين السيدتين بعث شعبة نسائيّة دستوريّة في خريف 1949، كانت أوّل شعبة نسائية رسميّة بالإيالة التونسية ترأستها بنفسها، فيما أسندت الرئاسة الشرفية إلى عقيلة الزعيم الهادي شاكر، السيّدة نفيسة بنت الحاج محمد عفّاس.

وتنفيذا لتوصيات مؤتمر جمعيّة «الكشاف المسلم» في جويلية 1947 القاضية ببعث فرع نسائي بكامل أنحاء البلاد يكون إلى جانب قسم الانتشار المحدث من أجل الدعاية للجمعية، تمّ بعث فرع «حبيبات الكشاف المسلم التونسي» الذي ترأسته راضية الحداد بمساعدة نجيبة القروي (نائبة رئيسة) ونبيهة بن ميلاد (أمينة مال) وسعاد بورقيبة (كاهية أمينة مال) وبختة الصدّام (كاتبة عامة) ومنجية بن عز الدين وزينب ميلادي وفتحية بن مصطفى (أعضاء)، قصد الاتصال بالأمّهات وتحريضهنّ على السماح لأبنائهنّ بالانتماء للجمعيّة.

وبما أنّ هيئة «الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي» التي ترأستها آنذاك المناضلة بشيرة بن مـراد هي التي زوّدت هذا الفرع بأغلب إطارات هيئته التي تركبت من القائدات، فقد تولّت ليليا باش حانبة الحجري بعث فرع لحبيبات الكشافة بمدينة صفاقس ترأسته بنفسها، فيما تولّت حليمة عطيّة الكتابة العامة له. وقد ضمّ هذا الفرع عقيلات أعيان صفاقس وكريماتهم. وتأكيدا لذلك نظّم الفرع اجتماعا نسائيا كبيرا بمقرّ الخيرية بصفاقس حضرته بشيرة بن مراد شخصيا، تمّ خلاله تداول الكلمة وتوزيع الاشتراكات على المنخرطات بفرع الاتحاد النسائي.

وبوصفها رئيسة فرع «الاتحاد النسائي الإسلامي» بصفاقس، كانت ليليا باش حانبة الحجري من النساء الأوائل اللواتي قُمْنَ رسميّا بالتخلي عن لباس السفساري خلال زيارة الزعيم الحبيب بورقيبة إلى صفاقس سنة 1951. وبمناسبة هذه الزيارة قامت بدعوة بورقيبة إلى إزالة الحجاب أمام الملأ عن عدد من البنات والنساء اللواتي قامت بجلبهنّ للغرض أثناء موكب استقباله أمام مقرّ فرع الاتحاد بوسط المدينة.

هذا ويجدر التذكير بأنّه قبل هذه الزيارة تولّت السيّدة ليليا باش حانبة الحجري رفقة أعضاء مكتب فرع «الاتحاد النسائي الإسلامي» توجيه مراسلة رسمية بتاريخ 23 سبتمبر 1951 تضمّنت 12 سؤالا إلى عالم الدين، سماحة الشيخ الصادق الخرّاط بالمدينة العتيقة حول عفّة الفتاة وموقف الدين الحنيف من الحجاب... الخ. وقد تلقت جوابا حول أسئلتها من لدن هذا الشيخ كما هو مثبت فـي أرشيف فـرع الاتحاد النســائي بصفاقس.

و إثر اندلاع الثورة المسلحة في 18 جانفي 1952 اضطلع الفرعان الكشفي والنسائي لـ «الاتحاد النسائي الإسلامي» بدور هامّ على الساحتين الجهوية والمحلّية بصفاقس وظهيرها. فكانت تتحوّل مع عدد من نساء الربض تتقدمهنّ كل من نفيسة شاكر وفطّومة النملة والسيدة الدو وخديجة شعور...، إلى المقاهي والمطاعم والدكاكين والمتاجر... لدعوة أصحابها إلى غلق محلاّتهم وإنجاح الإضرابات العامة والمشاركة في المظاهرات المقرّرة من قبل الحزب. لكنّ أعوان البوليس كانوا بالمرصاد لذلك فتفطنوا إليهنّ ذات مرّة واقتادوهنّ إلى مركز الشرطة بباب البحر للتحقيق حيث بقِين مدة رهن الإيقاف.

كما ربطت رئيسة فرع «الاتحاد النسائي الإسلامي» علاقات تعاون وطيد مع المدارس القرآنية والجمعيّات الخيريّة بجهة صفاقس على غرار «مدرسة البرّ العربية» و«مدرسة الفتاة القرآنية العصريّة» و«المدرسة القرآنية العصرية الهدى» كما تثبته المراسلات بين هذه الأخيرة وبين الاتحاد وذلك تباعا في 19 رمضان 1362هـ/ 23 سبتمبر 1943 و 13 جانفي 1955 و 04 ديسمبر 1955 قصد توفير كتب وأطعمة وملابس لفائدة تلميذات وتلاميذ المدارس أو قصد مساعدتهم على مجابهة موجة البرد القارس خلال موسم شتاء 1954- 1955.

وبالتعاون مع زميلاتها أعضاء مكتب فرع «الاتحاد النسائي الإسلامي» بصفاقس وبالتنسيق مع رئيسته بشيرة بن مراد بالعاصمة قامت السيّدة ليليا باش حانبة الحجري بحملات جمع الأطفال لبقايا السجائر في الشوارع وبيعها. كما نظمت حفلات ومحاضرات لحماية الأخلاق وتعليم البنت وحقّها في اختيار شريك حياتها وعدم تزويجها غصبا... الخ.

وبالتوازي مع كل هذا النشاط الجمعيّاتي والنسوي الوطني بصفاقس، ظهرت بعاصمة الجنوب حركة شيوعية تزعمتها بعض الطالبات المسلمات والمثقفات اليهوديات لكنها سرعان ما فترت ولم تتمكن من مجاراة التيّار الوطني «المتوهّج» و«الجارف» للحركة النسويّة صلب الجامعة الدستوريّة والاتحاد النسائي الإسلامي بالجهة.

ومنذ فجر استقلال البلاد اضطلعت ليليا باش حانبة الحجري بدور هامّ على الصعيد الجهوي في بعث «الاتحاد القومي النسائي» وترأست فرعه بصفاقس إلى نهاية سنة 1957. وبحكم موالاة الاتحاد للحزب الحاكم عملت على إنجاح جميع التظاهرات الوطنية الكبرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بدءا بمؤتمر الحزب بالحيّ الزيتوني بين 15 و 19 نوفمبر 1955 مروارا بتنظيم انتخابات المجلس القومي التأسيسي في 25 مارس 1956 و الانتخابات البلدية في 05 ماي 1957، وصولا على إعلان الجمهوريّة في 25 جويلية 1957.

كما كانت مع أعضاء المكتب الجهوي للاتحاد والإطارات النسائية من مناضلات ومثقفات في مقدمة من يستقبل الرئيس الحبيب بورقيبة وحرمه عند قدومه في زيارات العمل الرسمية إلى صفاقس.

وكذلك الشأن بالنسبة لعقيلات الشخصيّات الرسمية الأجنبيّة الوافدة على مدينة صفاقس في زيارات عمل رفقة أزواجهنّ من ملوك ورؤساء ووزراء وولاة وحكّام مقاطعات وأقاليم ورؤساء بلديات... الخ.

ولم يمنع كلّ هذا النشاط والحضور على الساحة من وقوع عديد المشاكل والخلافات بينها وبين منافسيها، صواء صلب الحزب أو داخل «الاتحاد القومي النسائي». فداخل الاتحاد لم تكن لها نفس الرؤى مع سعيدة ساسي والرئيسة الجديدة للاتحاد القومي النسائي، السيّدة راضية الحداد سنة 1956. وعلى إثر حملات التشويه التي طالتها ورغبة شقّ صلب الاتحاد والحزب في صفاقس في أن تكون على رأس هذه المنظمة الوطنية الناشئة «بنت بلاد» وهو ما حزّ كثيرا في نفسها، عقدت سنة 1957 المؤتمر الثاني لفرع «الاتحاد القومي النسائي» تحت إشراف رئيسته راضية الحداد وسعيدة ساسي، انتخبت على إثره السيّدة منيرة العذار نائبة جهوية والسيّدة الدو القايد كاتبة عامة.

وفي اليوم الموالي سلّمت مع أمينة المال بمكتب الوالي محسن الزين حسابات وأرشيف الاتحاد ومفتاح مقرّه إلى القيادة الجديدة وابتعدت عن الأضواء وتوارت عن الأنظار. وفي سنة 1969 شدّت الرحال نحو العاصمة تاركة ابنتها آمال وابنها البشير بصفاقس وبقيت تتردّد عليهما من حين إلى آخر لزيارتهما وتجديد اللقاء بأحفادها وحفيداتها وصديقاتها ورفيقات الدرب ممّن ناضلت معهنّ وعملت طيلة 25 سنة.

وبعد تجربة تعاون فنّي بالمملكة العربيّة السعوديّة في الثمانينات، اضطرّ ابنها البشير الحجري إلى الالتحاق بوالدته بالعاصمة والاستقرار نهائيا قربها. وفي يوم 22 جانفي 2012 توفيت السيّدة ليليا باش حانبة الحجري ببيتها بالعاصمة عن عمر ناهز 89 سنة.

عادل بن يوسف

 

 

 

تفاعل مع المنشور وشاركنا تعليقاتك

ابحث بالمجال
العلوم
الاجتماعيّة والقانونيّة
العلوم
التجريبيّة والطبيّة
الآداب
والفنون
الالتزام
والنّضال في الحياة العامّة
الحضارة
والتاريخ
تواصل معنا

اقترح شخصية

تواصل معنا

العنوان

شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية

البريد الالكتروني
directiongenerale@credif.org.tn
رقم الهاتف
0021671885322
Drag View Close play
0%