نبيهة بن ميلاد وجه من وجوه الحركة النسويّة في تونس قبل الاستقلال وبعده، ناضلت ضدّ الاستعمار ومن أجل حقوق النساء وانتمت إلى الحركة التقدميّة والديمقراطيّة
واصلت تعليمها إلى مستوى شهادة ختم الدراسة الثانوية وانقطعت عن الدراسة لتتزوج في سن السادسة عشرة من عمرها من الدكتور أحمد بن ميلاد الذي كان قياديّا في الحزب الشيوعي التونسي وكان مؤمنا بقضايا النساء وبدورهنّ الاجتماعي. وهو الذي دفعها إلى مواصلة الدراسة والقيام بنشاط سياسي وإلى الخروج إلى الفضاء العام دون حجاب.
بعد زواجها واصلت الدراسة في مدرسة ابن سينا للمرشدات الاجتماعيات وتدربت على التمريض على يد زوجها.
انخرطت نبيهة بن ميلاد في حركة التحرّر والنضال الوطني والاجتماعي وشاركت في المظاهرات التي اندلعت قبل أحداث 9 أفريل 1938 مع مجموعة من النساء اللاّتي حملن لافتات مطالبة بدستور تونسي وبرلمان تونسي. وعندما أصيب المتظاهرون خلال الاحتجاجات التي اندلعت في 9 أفريل 1938، وجُرح العديد من التونسيين على أيدي القوات الاستعمارية، ساعدت زوجها على تقديم خدمات إيواء وتمريض للجرحى بعد أن حوّل الدكتور بن ميلاد منزل العائلة إلى مستشفى.
وبعد أن اكتسبت تجربة في علاج المرضى، اشتغلت مُمرّضة ومساعدة للدكتور «فرانس فانون» (Frantz Fanon ) المناضل ضد الاستعمار والطبيب النفساني الفرنسي من أصل مرتنيكي (Martiniquais) في مستشفى الرازي ثم عملت مرشدة اجتماعيّة في مستشفى شارل نيكول في تونس.
كان لديها عديد النشاطات الاجتماعية مثل تنظيم الأكلات الشعبيّة الجماعية بمساعدة التجار المحليّين الذين تبرّعوا ببعض المنتجات لفائدة الفقراء والمتضرّرين من المجاعة وقامت بتوزيع الحليب المعبّئ إلى الجيران مع زوجها في حيّ الحلفاويين واستقبال اللاجئين من الجزائر ومن إسبانيا.
كما انضمّت إلى اللّجنة التونسيّة من أجل الحرّية والسلم التي ضمّت عديد المنظمات السياسية والشخصيات الاعتبارية ومنها سليمان بن سليمان وشريفة السعداوي... وكانت تعمل على تحقيق السلم في العالم وتناضل ضدّ الإمبريالية الأوروبيّة والأمريكيّة.
انخرطت نبيهة بن ميلاد في البداية، في العمل والنضال النّسوي منذ سنة 1938 صلب اتّحاد النّساء المسلمات الذي كانت تقوده بشيرة بن مراد والذي كان يركز خاصة على تعليم البنات وعلى مساعدة المساجين السياسيّين والمقاتلين في حركة الاستقلال.
غير أنّها غادرت هذه المنظمة في سنة 1940 لأنها اعتبرتها بورجوازية ومنحازة للحزب الدستوري سنة 1944 ساهمت مع 18 امرأة ومنها خاصة حفيظة دراج وشريفة السعداوي وزهرة بن سليمان وصوفية زويتن ونائلة جراد في تأسيس الاتحاد النسائي التونسي القريب للحزب الشيوعي التونسي ولو ان مؤسساته تتفق في كونه اتحادًا مستقلاً عن الحزب الشيوعي لأنه يضم نساء من اتجاهات سياسية مختلفة.
سنة 1955، تم انتخابها رئيسة للاتحاد النسائي التونسي بعد أن عينت في الهيئة المديرة للاتحاد سنة 1951 وبقيت تترأس هذه المنظمة إلى حد حلّها سنة 1963 في نفس السنة الذي تم فيها تعليق نشاط الحزب الشيوعي التونسي.
أصدر هذا الاتحاد بين مارس 1945 وجوان 1946 مجلة شهرية عنوانها «نساء تونسيات» باللغة الفرنسية وقام بعدة نشاطات اجتماعية من اجل الحد من الفقر والمجاعة ولمساعدة الفقراء في عدة أنحاء البلاد.
طالب الاتحاد بضمان المساواة في الأجور بين النساء والرجال وبغلق مراكز عزل أو حبس النساء اللواتي يرفضن الزواج بأشخاص يتم اختيارهم من قبل أسرهن دون موافقتهن أو اللواتي يردن الطلاق (دار سكنى ودار جواد) ودافع على النساء ضحايا العنف وعلى المطلقات دون علم وبإرادة الرجال (التطليق). كما ساند الاتحاد النساء الأميات والقاطنات في الاحياء الشعبية ووفر لهن مساعدة قانونية وصحية لإيجاد حلول لمشاكلهن اليومية كما قم بتعليمهن في مدرسة الحلفاويين وفتح مستوصف سنة 1947 لاستقبال النساء المريضات وفحصهن من قبل أطباء متطوعين.
كما اهتم الاتحاد بوضع الطفولة الفقيرة ونظم العديد من الحملات من أجل حث العائلات على تسجيل أطفالهم في المدارس
بادر الاتحاد بالاحتفال باليوم العالمي للمرأة منذ سنة 1946 وبهذه المناسبة نظم سنويا عدة لقاءات وتجمعات شعبية اكتست في بعض الأحيان طابعا سياسيا للتضامن مع النساء المناضلات عبر العالم من أجل الديمقراطية والسلم أو من أجل القضاء على الاستعمار.
كما عقد الاتحاد سنة 1948 لقاء في تونس وأريانة وسبيطلة وفريفيل (منزل بورقيبة حاليا) والقيروان طالب فيها بضمان الحق في الشغل للعاطلين عن العمل والحق في الغداء للفقراء وبتوفير مدارس للأطفال وبيوت للمتشردين.
بعد الاستقلال، خاض الاتحاد وعلى رأسه السيدة نبيهة بن ميلاد معارك عديدة من أجل المشاركة في الانتخابات خاصة سنة 1955 بعد أن حُرمت النساء من حق الاقتراح بمناسبة انتخابات أعضاء المجلس القومي التأسيسي التي انعقدت في أفريل 1956. وبعد ذلك، وجّه رسالة لكل نائب انتُخب في المجلس للتنديد بعدم تمتع النساء بالحق في التصويت ولمطالبته بالعمل على وضع دستور يعترف للنساء بكافة حقوقهن وخاصة الحق في الانتخاب والترشح والحق في العمل بأجر متساوٍ مع الرجال والحق في التعليم وفي الإحاطة الاجتماعية والحق في السكن الصحي وفي المساعدة الطبية المجانية وبسن تشريعات تحمي الأمهات وأطفالهن.
ولمزيد الضغط على السلطة السياسية من أجل تمكين النساء من المشاركة السياسية، تم تنظيم اجتماع نسائي ضم أكثر من 300 إمراه وقّعن على عريضة وُجهت إلى الوزير الأكبر الطاهر بن عمار للمطالبة بالتمتع بالحقوق السياسية وخاصة الحق في التصويت. وقد استجابت السلطة السياسية آنذاك لمطلبهن واعترفت للنساء بحق التصويت بمناسبة الانتخابات البلدية التي انتظمت سنة 1957 لأول مرة بعد الاستقلال.
شاركت نبيهة بن ميلاد في العديد من المؤتمرات الدولية كممثلة عن الاتحاد في مجلس الفيدرالية الديمقراطية الدولية للنساء وفي مؤتمراتها عبر العالم في الصين وبولونيا وتشيكوسلوفاكيا وسويسرا والسويد وفنلندا أين قدمت محاضرات حول وضع المرأة التونسية قبل الاستقلال ومكتسباتها بعد صدور مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956.
منذ 1956 تقول نبيهة بن ميلاد إنّ الاتحاد تعرض إلى تضييقات عديدة لنشاطه من قبل السلطة السياسية رغم أنه قدم برنامجا اجتماعيّا للحكومة لفائدة النساء والأطفال.
وبعد صدور الدستور في غرّة جوان 1959 واعتماد قانون 7 نوفمبر 1959 المتعلق بالجمعيات الذي فرض على كل المنظمات الموجودة المطالبة بتأشيرة لتمكينها من التواجد بصفة قانونية، ورغم أن الاتحاد قام بالإجراءات اللازمة للحصول على التأشيرة لكنه لم يتحصل عليها وبقي ينتظر إلى حد سنة 1963 حين تم حله من قبل السلطة السياسية.
وقد رفضت نبيهة بن ميلاد الانخراط في الاتحاد النسائي التونسي نظرا لموالاته للحزب الحاكم في ذلك الوقت وتوقفت عن النشاط السياسي.
في أواخر السبعينات مع نشأة نادي المرأة في النادي الثقافي «الطاهر الحداد» أدلت نبيهة بن ميلاد بشهادات مهمة حول تجربتها النضالية ومسيرتها الاستثنائية. ثم انخرطت في الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات منذ تأسيسها سنة 1989 وكانت تحضر بانتظام في كل نشاطات الجمعية بما فيها المؤتمرات والندوات.
تبقى نبيهة بن ميلاد من النساء التونسيات اللواتي حفرن أسماءهن في ذاكرة العمل النضالي والإنساني وخلد التاريخ مواقفهن ونضالاتهن.
حفيظة شقير
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية