اقترن اسمها بأوّل صورة بثّت على الشّاشة الصّغيرة التونسيّة، واقترن ميلاد مسيرتها باعتبارها مذيعة ومنشطة ومنتجة برامج بميلاد التلفزيون التونسيّ يوم 31 ماي 1966 (انطلق البث التلفزي في تونس لأول مرة مع التقاط ذبذبات القناة الإيطالية راي في شمال البلاد. أول قناة وطنية حكومية أطلقت في 1966، تحت اسم إ.ت.ت.1)؛ تاريخٌ نحت اسم مذيعة الربط الأولى 'نزيهة المغربي' بحروف من ذهب وخلّد ذكرى اليوم الأبرز في تاريخ التلفزيون التّونسي، والطرفة الأبرز في تاريخه أيضا؛ حين تفرّست عيون المشاهدين التّونسيّين للمرّة الأولى في صورة امرأة شابّة تظهر مقلوبة على شاشة التّلفاز، ثمّ يعتدلُ الأمر فتصدح المذيعةُ بعد انقطاع خاطف بصوت رقيق قائلة :» مشاهدينا الكرام نعتذر لدى حضراتكم عن هذا الانقطاع الناتج عن خلل فنيّ خارج عن نطاقنا، ويسرّنا أن نلتقي بكم لأوّل مرّة عن طريق مولود جديد اسمه التلفزة التونسيّة».(شاهد الفيديو الخاص بانطلاق بثّ التلفزيون التونسي على قناة اليوتيوب للقناة الوطنية الأولى -Wataneya Replay - تاريخ النشر: الرابط التالي : https://www.youtube.com/
ولدت 'نزيهة المغربي' أصيلة ولاية سليانة، سنة 1945 وكان ظهورها للمرّة الأولى على شاشة التلفزيون حدثا وطنيّا بامتياز، ولذلك يحلو لكثير ممّن عايش فترة انبعاث التلفزيون التونسيّ أن يلقبّوها «بعميدة المذيعات التّونسيات» (أنظر: بن أحمد، محسن، 11 سنة مرت على رحيلها: نزيهة المغربي الوجه التلفزيوني الخالد، نشر في الشروق يوم 01 - 12 -2012، الرابط : https://www.turess.com/alchourouk/597530)، وقد كانت 'نزيهة المغربي' من بين « أربع مذيعات وقع عليهن الاختيار من جملة 27 مترشحة وهنّ : نزيهة المغربي، نبيهة بن صميدة ، عفيفة بن عاشور وفكرية الغربي»
(Femmes le magazine féminin qui ose), L’une Des Premières Speakerines De La Télévision Tunisienne N’est Plus, Publiée le 24 octobre 2016, lien : https://femmesetrealites.com.tn/fr/2016/10/24/lune-premieres-speakerines-de-television-tunisienne-nest-plus/
أنظر: بن أحمد، محسن، مصدر سابق.) ليشكّلن النواة الأولى لمذيعات الرّبط على الشاشة التونسية في الستينات.
وقد تميّزت مناظرة اختيار المذيعات بكثير من الدقة والحرفيّة في انتقاء أقوى المذيعات حضورا وأكثرهنّ تمكنّا من التقديم باللّغتين العربية والفرنسيّة، وقد كان لنزيهة المغربي كنظيراتها من مذيعات الربط آنذاك إطلالة كاريزميّة، إذ تميزت طيلة مسيرتها الإعلاميّة «بالأناقة والحضور الركحيّ المشع حبّا وإقبالا على الحياة في أبهى وأجلّ مظاهره» (بن أحمد، محسن، مصدر سابق) و«نزيهة المغربي (...) وجه طفولي مع براءة وثقة في النّفس، (...)، عطاء تلفزي بلا حدود ونشاط هادئ رصين وريشة مبدعة مشبعة بعشق البلاد، والتراث متجذرة في صميم الواقع المعيش» (مجلة الاتحاف الثقافية الجهوية بسليانة، عدد 129-142، 2002، ص 96).
قدّمت نزيهة الغربي طوال مسيرتها مُختلف الفقرات والبرامج التّلفزية وتميزت في تقديم عدد من البرامج التي بقي البعض من أثرها المصوّر متاحا للمشاهدة اليوم على الشبكة العنكبوتية، نذكر من بينها النّشرة الجوية والفقرات الثقافية و«لعل أبرز ما قدمته 'نزيهة المغربي' بعد تنشيطها لمنوعة «لكل الناس» على امتداد خمس سنوات فتح نافذة على الفنون التشكيلية دفاعا عنها وإبرازا لها وانتصارا لهذه التّعبيرة الفنية الإبداعية التي لم تلق الدّعم لدى المنتجين .. فكان أن بادرت نزيهة المغربي بحسّها الابداعي المرهف إلى أن تنصت للرّسامين وتتوقف عند إبداعاتهم وتعاطيهم مع الألوان بما تحمله من مضامين وأحاسيس «( بن أحمد، محسن، سنة مرت على رحيلها: نزيهة المغربي الوجه التلفزيوني الخالد، جريدة الشروق، تاريخ النشر: 01 - 12- 2012، الرابط: https://www.turess.com/alchourouk/597530).
فعلاوة على مسيرتها المهنية المتميزة في مجال الإعلام والتقديم التلفزيونيّ، كان 'لنزيهة المغربي' موهبة لافتة في مجال الفنون التشكيلية ساعدتها على تقديم «مسيرة مهنية وفنية كانت حافلة بالعطاءات السخية (...) في ميدان الإبداع التشكيلي، وكان لها بالخصوص أروع الأمثلة في نسج علاقات إنسانية في محيطها الفسيح» (عبد الكافي، محمد، نزيهة المغربي : «اسم أكبر من أن يقيم في ضواحي التاريخ»، نشر في جريدة الشروق في : 18- 06 - 2005، الرابط : https://www.turess.com/alchourouk/3063).
وقد تألقت نزيهة المغربي الرسامة العصامية لتجسّد لوحاتها تعبيرات جمالية عن الحب والوفاء والانتصار للمرأة «لتقدّم وجها آخر من العصامية المخضرمة التي سعت إلى اكتساب تكوين أكاديمي في ممارسة الرسم لذلك تنوعت أعمالها وأظهرت ثراء لا يمكن إنكاره. وبالعودة إلى إنتاجها التشكيلي يتراءى لنا ميلها إلى تجسیم المشهد العربي العتيق» (مجلة الحياة الثقافية – عدد 171-175، ص87، 2006) وهذه سمة بارزة من سمات فنّها.
وقد حرصت 'نزيهة المغربي' على أن يكون لحضور الرّسامة الحالمة والمبدعة الحرّة داخلها ألق استثنائيّ مقارنة بشخصية المذيعة التي كان المحيطون بها يلحظون تعففا كبيرا من قبلها في تبني مظاهر النّجومية ومساوئها «لذلك كانت تحرص دائما على تلك اللّمسة الأخيرة التي تترجم ما يختلج في ذهنها وما يعجّ به إحساسها من إبداع المبدعين. ولكنّ الموت لم يمهلها (...) فاختطفها وهي في أوج البذل والعطاء» (عبد الكافي، محمد، مصدر سابق.). وأبت مشيئة القدر إلاّ أن تُغادرنا 'نزيهة المغربي' في 02 ديسمبر 2001، عن سنّ ناهزت 56 سنة، تاركة خلفها أرشيفا مزدحما من ذكرياتها المهنية في التلفزيون التونسيّ ولوحاتها المتعددة المواضيع والألوان التّي هي عصارة إبداعها الحرّ.
سميّة بالرجب
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية