ولدت القاضية نورة بن جراد بـتونس يوم 30 جانفي 1963، وتزوّجت وأنجبت ثلاثة أبناء.
زاولت تعليمها الابتدائي والثانوي بتونس العاصمة، وتحصّلت على شهادة البكالوريا آداب سنة 1983 بمعهد محسن العياري بمنفلوري، ثم الإجازة في الحقوق (شعبة القانون الخاص) سنة 1989.
حرصت القاضية نورة بن جراد على الالتحاق بالمعهد الأعلى للقضاء، لتتخرّج فيه قاضية سنة 1991 وكان ذلك إيمانا منها بأنّ العدل قيمة من القيم العليا التي تتحقق بها إنسانيّة الإنسان، وأنّ إقراره يقتضي أن يشمل كل المجالات الحياتيّة للأفراد، وبدونه لا يمكن أن تُحفظ الحقوق والحرّيات.
كانت القاضية نورة بن جراد تؤكّد طوال مسيرتها المهنيّة، أنّه علــى القاضــي أن يــدرك أنّ القضــاء رســالة وليس وظيفــة، وعلــى مــن يرضــى أن يتحمّلهــا مــن القضــاة أن يعــي ذلــك، وعليــه أن يســلك في تصرّفاتــه مــا يناســب شــرف الرســالة الــتي يحملها.
باشرت نورة بن جراد عملها كقاضية بالمحكمة الابتدائية بزغوان (1991- 1996)، ثم كقاضية بمحكمة تونس الابتدائية (1996-2000)، وتحصّلت على خطة قاضية بمحكمة الناحية بباردو (2000-2003)، ثمّ مستشارة بمحكمة الاستئناف بسوسة (2003-2007).
كما شغلت خطة وكيل رئيس بالمحكمة الابتدائيّة بتونس (2007-2012)،
وانتهت مسيرتها المهنية كرئيسة دائرة بمحكمة الاستئناف بتونس، وهي الخطة التي شغلتها بداية من سنة 2012 إلى يوم وفاتها بتاريخ 6 نوفمبر سنة 2020.
ونظرا إلى الكفاءة التي تميّزت بها القاضية نورة بن جراد، وخاصّة في مادّة قانون الشغل، تمّت دعوتها من قبل المعهد الأعلى للقضاء إلى تدريس تلك المادّة خلال السنوات 2012 و2013 و2014.
وخارج إطار القضاء، كان للقاضية نورة بن جراد نشاط في مجال الرياضة، وقد ترأست «جمعية شبيبة باردو الرياضيّة للسباحة» من 2016 إلى تاريخ وفاتها في 6 نوفمبر سنة 2020.
كانت القاضية نورة بن جراد تؤكد باستمرار على أن القاضــي النزيه يتعيّن عليه أن يمارس مهامّه القضائية دون محاباة أو تحيّز لأحد، وأن يرسـّـخ في تصرّفــه وســلوكه ثقــة النّــاس في اســتقامة القضاء ونزاهــته واستقلاله.
جمعت القاضية نورة بن جراد، بين صفات الاستقامة والنزاهة والكفاءة المهنية وكانت مثالا يحتذى على الصعيدين الإنساني والعلمي.
تقول زميلتها وصديقتها سهام مرزوق، «نورة بن جراد قاضية ورئيسة دائرة من نوع نادر، فهي مزيج بين الصرامة في تطبيق القانون، والإنسانية اللاّمحدودة في التعاطي مع الجميع، متقاضين وزملاء وكتبة ومحامين وخبراء، ومع كلّ المتدخلين في المنظومة القضائية. وقد كان أول درس تلقيته منها، هو أن القاضي علم وكفاءة ونزاهة».
ومن أشهر أقوالها التي عُرفت بها أن «القاضي إنسان أو لا يكون» و «يجب أن لا يكون القاضي غير كُفْء، لأنّه سيضيع إذّاك حقوق الأفراد حتى وإن كان نزيها».
عُرفت القاضية نورة بن جراد بشخصيتها الرائعة والمتوازنة، إذ كانت تفرض الاحترام التّام على كلّ المتعاملين معها سواء داخل المحكمة أو خارجها.
وكانت مصدر ثراء لزملائها، ولم تدّخر جهدا في تأطير القضاة المعيّنين بالدائرة التي تترأسها، وكان العمل معها مناسبة للقضاة لتعزيز قدراتهم وخبراتهم.
وقد ذكرت صديقتها سهام مرزوق، أنّ القاضية نورة بن جراد «كانت تتفانى في العمل، ولا تتوانى عن البحث والتمحيص في الاتفاقيات والقوانين وفي فقه القضاء والتجارب المقارنة، وكانت تعود يوميّا إلى منزلها مثقلة بالحقائب التي تعجّ بالملفّات القضائية، فتقضّي الليل لدراستها حتى الفجر أحياناً، وهو ما كان يفسّر إلمامها خلال المفاوضة بأدق التفاصيل الموجودة بكلّ ملفّ، كما كانت تثمّن مجهود جميع من يعمل معها».
وكانت نورة كذلك تقدّس الروابط العائليّة إلى حدّ كبير، وكانت تعترف بأنّ العمل جعلها لا تشعر بمرور الزمن حيث كانت تقول «لا أعرف كيف كبر أبنائي، لم أشعر بمرور الأشهر والسنوات، ولم أعايش أبنائي في طفولتهم... كنت أقضّي كلّ الوقت في المحكمة...».
إن القاضية نورة بن جراد، امرأة جمعت بين الكفاءة والتواضع والمصداقيّة والنزاهة والصرامة والجدّية، كانت مزيجا يجسّد إنسانيّة القاضي، وكان من شيمها التواضع والابتسامة الدائمة والرقّة واللّطف، ومن مبادئها الصّرامة في الحقّ والعدل والإنصاف في الحكم، ومن قناعاتها أنّ العدالة يجب أن تقترن بالقوة، بحيث يصبح كلّ شيء عادل قويًّا، وكلّ قوي عادلاً.
روضة العبيدي
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية