أمّ ملال أميرة بربرية صنهاجيّة، هي ابنة أبي الفتح عدّة العزيز بالله المنصور بن بلكّين بن زيري بن مناد(373-386هـ/986-996م). لم يذكر المؤرّخون تاريخ ولادتها ولا مكانها، ولكنّ حسن حسني عبد الوهاب (ت 1968)أشار إلى أنّها ولدت بقصر المنصوريّة الذي ابتناه أبوها (عبد الوهاب، حسن حسني، شهيرات التّونسيّات، تونس، مكتبة المنار، 1965، ص 69-70). وتذكر المصادر التاريخيّة أنّ المنصور بنى القصر سنة 376هـ/986م وأنّه نزله سنة 377هـ/986م (ابن عذاري المرّاكشي، أبو العبّاس أحمد بن محمّد، البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب، تونس، دار الغرب الإسلاميّ، 2013، ج1، ص261). وإذا أخذنا برأي هذا المؤرّخ تكون أمّ ملال ولدت بعيد سنة 377هـ/986م.
وقد يكون أخوها باديس (386-406 هـ/996- 1016م يكبرها لولادته سنة 374هـ/984م إذ ولّي وهو في الثانية عشرة (إدريس، الهادي روجي، الدولة الصنهاجيّة، تاريخ إفريقية في عهد بني زيري من القرن 10 إلى القرن12م، تعريب حمادي السّاحلي، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1992، ج1، ص 178).
أمّا وفاة أمّ ملال فكانت سنة 414هـ/1023م ودفنت أوّل الأمر بمقبرة المهديّة ثم نقلت رفاتها إلى مقبرة أمراء صنهاجة بالمنستير وهي مقبرة تحمل اسم «السيّدة» (المرجع السابق، ج1، ص 178).
ولقد اختلف في المرأة التي ربّت المعزّ بن باديس (406-454هـ/1016-1062م) وباشرت الأمور قبل بلوغه سنّ الرشد، فقد جاء في كتاب المؤنس أنّها جدّته (ابن أبي دينار، محمد بن أبي القاسم الرّعيني القيروانيّ، المؤنس في أخبار إفريقية وتونس، بيروت، دار المسيرة، تونس، مؤسسة سعيدان، 1993، ص 103-104). وتأثّر حسن حسني عبد الوهاب أوّل الأمر بهذا الرأي في كتاب بساط العقيق حيث قال «تربّى في حجر جدّته فاطمة وتدعى السّيدة» (عبد الوهاب، حسن حسني، بساط العقيق في حضارة القيروان وشاعرها ابن رشيق، قرطاج، المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، 2009، ص60)، وهي التي جعل لها أمر الإمارة عندما كان حفيدها حدثا (المرجع السابق، ص 61). ولكنّه تدارك ذلك في ترجمة أمّ ملال التي أوردها في شهيرات التّونسيات (شهيرات التونسيات، مرجع مذكور، ص 69-77.) والواقع أنّ ابن عذاري (ت695 هـ/1295م) (البيان المغرب، مصدر مذكور، ج1، ص286-287-292-295) والنّويري (ت 733هـ/1333م) (النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب، نهاية الأرب في فنون الأدب، بيروت، دار الكتب العلميّة، 2004، ج24، ص111) أوردا أخبار العمّة وذكرا أنّها السيّدة أمّ ملال وذلك ما أثبته كلّ من الهادي روجي إدريس (ت 1978) (الدولة الصنهاجيّة، مرجع مذكور، ج 1، ص 167-177-178) والشاذلي بو يحي(ت 1997) (بو يحي، الشاذلي، الحياة الأدبيّة في عهد بني زيري، تعريب محمد العربي عبد الرزاق، قرطاج، المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، 2000، ص320).
يبدو أنّ أمّ ملال اهتمّت بشؤون البلاد في عهد أخيها لانشغاله بالحملات العسكريّة، فقد كانت أيّامه حروبا وثورات ناتجة عن خروج أعمامه والزّناتيين (ابن الأثير، عزّ الدين أبو الحسن عليّ، الكامل في التّاريخ، بيروت، دار صادر، 1979، ج9، ص152-153.) ولم تكتف أمّ ملال بالمساهمة في السّياسة الدّاخلية بل عملت على توطيد علاقة نصير الدّولة بالقاهرة. فعندما أرسل هديّة للحاكم بأمر اللّه (385-411هـ/996-1021م) وجّهت بدورها هديّة لأخته ستّ الملك (ت413 هـ/1023م). ولقد خرجت الهديّتان الثّمينتان في أبّهة تجلي الحدث سنة 405هـ /1015م (البيان المغرب،مصدر مذكور، ج 1، ص 284.) وإن كانت هذه الهديّة لم تصل إليها لنهب العرب لها في برقة، فإنّ ستّ الملك ردّت الهديّة إلى أمّ ملال وراسلتها معبّرة عن مودّتها (شهيرات التونسيات، مرجع مذكور، ج1، ص82.) ولعلّ أمّ ملال كانت واعية بمنزلة ستّ الملك في البلاط الفاطميّ وسلطانها، ولا شكّ في أنّ التّهانوي الّذي اتّخذ شكلا رسوميّا سياسيّا مدعّما للتّواصل بين إفريقيّة ومصر، معبّر عن ولاء الأمير باديس للقاهرة وتقدير أمّ ملال لستّ الملك واعترافها بسلطانها.
أمّا الدّور الأهمّ الذي ألحّت عليه المصادر التّاريخية فهو كفالة العمّة لأبناء أخيها وحفظها لممتلكاته وتربيتها للمعزّ. فقد كان باديس يثق في أخته ويأتمنها على أبنائه. ففي سنة 405هـ/ 1015م «نزل برقّادة، ووضع العطاء لعساكره وأخرج عياله وأثقاله وأخته السيّدة أمّ ملال وأولاده وعبيده إلى المهديّة» (البيان المغرب،مصدر مذكور، ج1، ص284) في بداية ذي الحجّة ثمّ قفل راجعا إلى المنصوريّة، ومن ثمّ إلى المغرب الأوسط في حملة عسكريّة (المصدر السابق، ج1، ص287، الكامل في التاريخ، مصدر مذكور، ج9، ص257). وعندما وصله خبر موت ابنه المنصور عزيز الدولة سنة 406هـ 1016م إثر جدريّ أصابه وحمّى، أراد التأكّد من الخبر، فراسلها مستفسرا فكاتبته وكان ردّها مطمئنا إذ أعلمته بسلامة المعزّ ووصفت حسن حاله فكان ذلك ممّا أعانه على مصابه في وليّ عهده وعلى حسن العزاء (المصدر السابق، ج1، ص287، الكامل في التاريخ، مصدر مذكور، ج9، ص 257.)
احتضنت أمّ ملال المعزّ منذ ولادته في جمادى 398هـ/جانفي 1008م. وكانت تشتو به في المنصوريّة وتصطاف به في المهديّة وتخرج به في أبّهة (شهيرات التونسيات، مرجع مذكور، ص73.) ولقد جعلت أبا عليّ بن أبي الرجال الشيباني (ت 426هـ/1034م) له مؤدّبا، وقد كان شاعرا ظريفا راعيا للعلم والأدب وكان رئيسا لديوان الإنشاء في عهد باديس ورجل دولة، فكان له دور في تهذيب المعزّ وتوجيهه وتعليمه الفقه المالكي وتربيته على اتّباع مذهب أهل السنّة (الحياة الأدبية في عهد بني زيري، مرجع مذكور، ج1، ص 169-177.) وقد يكون لأمّ ملال دور في توزير ابن أبي الرّجال، ما إن ولّي ابن أخيها، وقد بقي إلى موته «مشرفا على الحياة الإدارية والسياسية والفكرية في إفريقية» (المرجع السابق، ص 169.)
وأبرز ظهور لأمّ ملال في المصادر كان يوم بويع المعزّ في شهر ذي الحجّة من سنة 406هـ/1023م/ ماي-جوان 1016م، فأمّ ملال هي التي استقبلت عامل القيروان وقاضيها وشيوخ صنهاجة ورجال الدولة وقبلت تعازيهم في أخيها وتهنئتهم لها بولاية المعزّ، وهي التي أمرتهم بالعودة إلى القيروان، فكانت وصيّة على الأمير الصّغير إلى بلوغه سنّ الرشد (البيان المغرب،مصدر مذكور، ج1، ص 292، نهاية الأرب، مصدر مذكور، ج24، ص 111) ممّا خوّل لها مباشرة الحكم.
ولقد تعلّق بها المعزّ فكان يعودها في مرضها كلّ يوم ويجلس عندها ويسمح لرجاله وعبيده بالدخول إليها إلى أن وافتها المنيّة (البيان المغرب،مصدر مذكور، ج1، ص297.) وقد وُصفت طقوس موتها على النحو التالي: كفّنت أمّ ملال بما قيمته مائة ألف دينار وصنع تابوتها من العود الهندي ورصّع بالذّهب والجواهر وقلّد بسبح من نفيسها. أمّا وضيمتها فكانت من عدد هائل من النّوق والبقر والضأن وقد وزّعت على الفقيرات في مأتمها عشرة آلاف دينار ورثاها الشعراء (شهيرات التونسيات، مرجع مذكور، ص76.) ولئن كانت هذه الطقوس تبرز منزلة هذه الأميرة والاعتراف بفضلها وقيمتها وحظوتها لدى المعزّ، فإنّ هذه الرسوم تمشهد ترفه وسلطته، وقد لاحظ ابن خلدون (ت 808هـ/1406م) أنّ أبا تميم شرف الدولة هذا كان صاحب «أضخم ملك عرف للبربر وأترفه وأبذخه» (ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، كتاب العبر، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر، 1988، ج 6، ص 210.)
نخلص إلى أنّ أمّ ملال لم تكن امرأة محتجبة عن الرجال يسيّجها الحريم، إذ كانوا يدخلون عليها في عزّ صحّتها وفي مرضها، وكانت تتابع أخبار السياسة في عهدي أخيها وابنه وتساهم في الحكم ممّا يدلّ على حصافة عقلها ورجاحته وعلى تجربتها التي سمحت لها بإنتاج حاكم ذاع صيته رغم الأزمة السياسية المحيطة بولايته، فقد كانت البلاد تواجه الصراع مع بني حمّاد والخطر الزناتي والإشكال الديني المذهبي. ورغم هذا الدور الذي قامت به فإنّها بقيت وصيّة لا صاحبة سلطة رسميّة، فالسلطان هو أخوها الذي نابته وابن أخيها الذي عوّضته وحكمت فترة باسمه.
ولقد عثر على توقيفها لمصحف على يدي القاضي عبد الرحمن بن محمد بن هاشم (ت بعد 413هـ /1022م) بمكتبة الجامع الكبير (شهيرات التونسيات، مرجع مذكور، ص 76، هامش (2) ) ويبدو أنّ تلك عادة من عادات نساء البلاط الزيري بإفريقية.
سهام الدبّابي (الميساوي)
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية