0 Loading ...

موسوعة النّساء التّونسيّات موسوعة النّساء التّونسيّات

الأميرة نازلي فاضل

[1853- 1914]
مجالات النشاط
  • الحضارة والتاريخ

تنحدر هذه الأميرة من أسرة محمّد علي باشا (1769 - 1849) مؤسّس السّلالة الخديويّة والملوكيّة في مصر ورائد التّمدّن العصريّ في بلاد المشرق كلّها. ذلك أنّ والدها الصّدر الأعظم مصطفى فاضل باشا هو حفيد محمّد عليّ وابن والي مصر الشّهير إبراهيم باشا (1789 - 1848) وأخو الخديوي إسماعيل (1830-1895) الذّي حكم مصر بين 1863 و 1879. وقد كان والدها وليّا للعهد في المملكة المصريّة لكنّ نظام الوراثة المستحدث في عهد إسماعيل أبعده عن ولاية العهد، فغادر مصر غاضبا واستقرّ بإسطنبول فسمّاه السّلطان العثمانيّ عبد العزيز (1830 - 1876) صدرا أعظم ترضية له. صاحبت نازلي والدها  للإقامة بالخارج وهى في الثالثة عشرة من عمرها ولم تعد إلى مصر حتى توفّي أبوها سنة 1875 وهى في الثانية والعشرين. وهكذا قضت الأميرة السنوات التي يتشكّل فيها الوعي والفكر ما بين أوروبا والآستانة، فنشأت تحمل مزيجاً من العادات الشرقية، اكتسبتها من الآستانة، ومن الثقافة الغربية التي نهلت منها في تلك المرحلة ثم تشبّعت بها حين عادت إلى الإقامة في باريس مع زوجها خليل باشا الذي عيّن وزيراً للحقانية في الدولة العثمانية سنة 1876 ثم عيّن سفيراً في باريس سنة 1877، فسافرت معه لتبدأ مرحلة هامّة من حياتها، تبلورت فيها مداركها الثقافية وصقلت معارفها في مختلف الشئون.

تلقّت الأميرة نازلي فاضل بإسطنبول تعليما حديثا بالمعاهد الأجنبية فأتقنت مع اللغتين العربيّة والتركيّة اللغات الإيطالية والفرنسيّة والأنقليزيّة وشيئا من الألمانية. وحرصت أثناء تردّدها على أوروبّا على تمتين ثقافتها وعلى اللقاء بأعلام الفكر والأدب هناك، وعلى الاختلاط بالأوساط الثّقافيّة والسّياسيّة ولا سيّما في فرنسا وإيطاليا. وبفعل ثقافتها الواسعة كانت علما نابها في مسار الثقافة والتنوير بكلّ من مصر وتونس. ذلك أنّها اشتهرت بإنشائها صالونين ثقافيين  كانا من أوائل الصالونات الثقافية في البلاد العربيّة  وكان لهما عظيم الأثر في تطوير الحياة الثقافية وفي نشر الأفكار التنويريّة، أحدهما بمصر، وكان ذلك في مطلع ثمانينات القرن التاسع عشر والثاني بتونس ونشط في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد كانا يضمّان العديد من المثقفين والكتاب من نخبة  كل بلد، ففي قصرها بالقاهرة اجتذبت نازلي صفوة المفكّرين والأعلام المصريّين والشوام، وكان من أشهرهم الشيخ جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده والزعيم سعد زغلول باشا وقاسم أمين ومحمّد المويلحي وهدى شعراوي وأديب إسحاق وعبد الرحمان الكواكبي وشبلي شميّل وغيرهم. وضمّ صالون الأميرة كذلك أصدقاءها من الإنجليز ومنهم لورد كرومر المندوب السامي وكبار رجال الإنجليز وقتئذ. لم يقتصر دور نازلي على إقامة الصالون والاشتراك فيه، بل الجدير بالذكر هو تأثيرها الإيجابيّ في تطوّر روّاده فكريّا مع ما لهم من باع ثقافيّ. وممّا يدلّ على ذلك دورها في حياة ثلاثة من أشهر أصدقائها وروّاد صالونها. أوّل هؤلاء كان الإمام الشيخ محمد عبده وقد بدأت علاقته بها بعد عودته من المنفى عام 1888. وربّما عرف الشيخ من أستاذه جمال الدين الأفغاني إعجابه بالأميرة لمناصرتها حركة «العروة الوثقى» وقت إقامتها بباريس، فأقبل على صداقتها وظلّت علاقتهما وثيقة حتى وفاته. وقد أدركت الأميرة تفوّق عقل الشيخ وتنوّر منهاجه فدعته إلى حضور صالونها، وحين زار تونس سنة 1903 أقام في قصرها. ويرجّح المؤرّخون أنّ الأميرة هي التي حثّته على تعلّم الفرنسيّة ودراسة الأدب الفرنسي دراسة متعمقة. وقد سجّل الشيخ مصطفى عبد الرازق، وكان والده صديقاً للشيخ محمد عبده، فى بحث له عن أثر المرأة في حياة الشيخ محمد عبده، أنّ الأميرة أثرّت في أسلوب الشيخ في الكتابة فاصطبغ بخفة ودعابة، والأهمّ أنّها فتحت معه آفاقا لم يكن قد خبرها من قبل؛ كالرسم والنحت وغيرها من الفنون، فانكبّ يدرسها ويعي قيمتها الثقافية حتى أفتى بحِلِّها في وقت كان جلّ الشيوخ يحرّمونها. وقد  قدّم الشيخ محمد عبده للأميرة اثنين من تلاميذه كان لها أثر عميق في حياة كلّ منهما كذلك، أحدهما هو سعد زغلول وقد صار زعيماً سياسيّا وطنيّا، بينما قاد الثاني،  وهو قاسم أمين، حركة تحرير المرأة المصريّة. بدأت علاقة سعد زغلول باشا بنازلي هانم مهنية حين وكّلته محاميا لها. ثمّ أدركت جوانب القوّة في شخصيّته فحرصت على أن تدفعه إلى الأمام، وتوثقت الصلة بينهما وأمسى واحداً من روّاد صالونها، وشجعته على تعلّم الفرنسيّة، بل إنّ بعض المصادر تشير إلى دورها في زواجه من صفية هانم ابنة مصطفى باشا فهمي رئيس الوزراء. ويتّضح من مذكّرات سعد باشا زغلول أنّ صداقته بالأميرة قد استمرّت حتّى وفاتها. ويروي محمّد فريد بك في مذكّراته أنّها كانت وراء إقناع كرومر بتعيين سعد زغلول المحامي، مستشاراً بمحكمة الاستئناف. أما الثاني الذي تذكر المصادر تأثيرها في توجّهه الفكري فهو قاسم أمين، فبعد أن نشر مقالات هاجم فيها المرأة المصريّة والشرقيّة عامّة ناقدا تخلّفها وخضوعها للتقاليد البالية، عاد ليؤلّف كتابيه «تحرير المرأة» و»المرأة الجديدة» بتأثير مباشر من النقاشات التي كانت تدور بينه وبين الأميرة نازلي وسائر روّاد صالونها.

بدأ تردّد الأميرة نازلي على تونس حوالي سنة 1896 لزيارة أختها الأميرة رقيّة زوجة أحد الأثرياء التونسيّين وهو الطاهر بن عيّاد، وكانت نازلي قد نسجت علاقات كثيرة بأعلام الفكر وروّاد الإصلاح والحركة الوطنية  أثناء إقامتها في فرنسا، كما كانت قد تعرّفت في مصر إلى الشيخ محمّد بيرم وأبنائه بعد استقرارهم بالقاهرة ، وقد اهتم بها صفوة المثقّفين التونسيين، واتّصلت أوّل مقدمها بالشّيخ سالم بو حاجب وابنيه عمر وخليل، واختارت أسرتَه عائلة جديدة لها، فقد تزوّجها خليل بو حاجب سنة 1897. وجدّدت بعد زواجها به عهدها بالصّالونات الأدبيّة، إذ اتّخذت من قصرهما بضاحية المرسى ناديا ثقافيا إصلاحيّا يجتمع في رحابه أعلام الثّقافة والفكر والأدب والصّحافة.  وكان لهذا المجلس أثر هامّ في  الجمعيّة الخلدونيّة وجريدة «الحاضرة». فقد اقترن قدوم الأميرة نازلي فاضل إلى تونس بتأسيس الجمعيّة الخلدونيّة فتحمّست لها وتبرّعت لفائدتها من مالها بسخاء، وعُيّنت رئيسة شرفيّة لها، ومن ثَمّ كان رجال الخلدونيّة من أمثال البشير صفر ومحمّد الأصرم ومحمّد بالخوجة ومحمّد القروي من روّاد مجلسها الأدبيّ الذّي عزّز عمل الجمعيّة ونشاطها بما كان ينهض به من دور في تجديد الإنتاج الأدبيّ والفكريّ.

كما تحمّست الأميرة نازلي فاضل لصحيفة الحاضرة، وهي أوّل صحيفة عربيّة غير رسميّة بتونس، وسبب هذا الميل هو النّهج الذّي سارت عليه هذه الصّحيفة في الدّعوة إلى الأخذ بوسائل التّمدّن الأوروبّيّ ومناصرة فكر التّحديث والتّنوير فضلا عن مسلكها السّياسيّ المعتدل. وبذلك ضمّ المجلس الأدبيّ لهذه الأميرة أبرز محرّري الحاضرة وفي مقدّمتهم صاحبها علي بوشوشة وصديقه ومساعده عبد الجليل الزّاوش. وكان هذا المجلس يضمّ، فضلا عن أشهر ممثّلي النّخبة التّونسيّة المثقّفة، أعيان الجالية الأوروبيّة وصفوة الضّيوف من أتراك ومصريّين ومغاربة، وقد حضر الشّيخ محمّد عبده مفتي الدّيار المصريّة جلسات هذا الصّالون لدى زيارته الثّانية إلى تونس في شهر سبتمبر 1903، كما كان هذا المجلس يضمّ بعض الشّخصيّات المرموقة من حركة «تركيا الفتاة» الفارّين من عسف السّلطان عبد الحميد. وهؤلاء سيكون للقائهم بعدد من الشّبّان التّونسيّين في هذا المجلس الأثر البعيد في تأسيس حركة «الشّباب التّونسيّ» وبعث جريدة «التّونسيّ» وهي أوّل صحيفة ناطقة بالفرنسيّة يصدرها الأهالي بتونس.

وممّا تولّد عن هذا الصّالون كذلك نشأة أوّل مدرسة للبنات المسلمات بتونس، فبعد أن اختلفت الآراء صلب النّخب المحليّة بشأن هذه المسألة وطغى الحذر على زعماء الإصلاح اصطحبت الأميرة نازلي فاضل البشير صفر إلى القاهرة لإطلاعه على تجربة التّعليم الخاصّ بالبنات المسلمات، فعاد من هناك مقتنعا بوجوب الأخذ بهذه التّجربة، فتأسّست بالفعل المدرسة الأولى للبنات المسلمات.

وقد تبيّن أنّ السّنوات التّي أمضتها الأميرة نازلي فاضل بتونس، لا سيّما نشاطها صلب مجلسها الأدبيّ، قد كان لهما الوقع الكبير في تنشيط الحركة الثّقافيّة والأدبيّة والفكريّة وفي دفع النّفس الإصلاحيّ، كما كان حضورها بتونس ومجلسها بمثابة حلقة الوصل بين بواكير حركة الإصلاح التّي قادها خير الدّين وبيرم الخامس وابن أبي الضّياف وامتدادات هذه الحركة التّي سيواصلها علي باش حامبة وزعماء «الشّباب التّونسيّ» في مفتتح القرن العشرين.

وقد ظلت الأميرة نازلى فاضل تتناوب الإقامة بين مصر وتونس، قائمة على نشاطها التنويرى فى قصريها بعابدين والمرسى إلى أن وافتها المنيّة بمصر مطلع سنة 1914.

زهية جويرو

 

تفاعل مع المنشور وشاركنا تعليقاتك

ابحث بالمجال
العلوم
الاجتماعيّة والقانونيّة
العلوم
التجريبيّة والطبيّة
الآداب
والفنون
الالتزام
والنّضال في الحياة العامّة
الحضارة
والتاريخ
تواصل معنا

اقترح شخصية

تواصل معنا

العنوان

شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية

البريد الالكتروني
directiongenerale@credif.org.tn
رقم الهاتف
0021671885322
Drag View Close play
0%