0 Loading ...

موسوعة النّساء التّونسيّات موسوعة النّساء التّونسيّات

راضية الحدّاد

[1922-2003]
مجالات النشاط
  • الالتزام والنّضال في الحياة العامّة

هي راضية بنت صالح بن عمّار وفاطمة زرّوق، ولدت يوم 17 مارس 1922 بضاحية حمّام الأنف، في أسرة وطنيّة عريقة ومحافظة من البرجوازية التقليدية بالحاضرة، («البَلديّة»). وهي من جهة الأمّ حفيدة شيخ المدينة العربي زرّوق الذي كان من القلائل الذين عارضوا إمضاء محمد الصادق باي لمعاهدة الحماية يوم 12 ماي 1881؛  درست بالمدرسة الابتدائية بضاحية «فرانس فيل  Franceville،( العمران اليوم)، حيث حصلت على شهادة ختم التعليم الابتدائي. وبحكم التقاليد السائدة آنذاك، لم تتمكّن من مواصلة تعليمها بسبب رفض والدها لذلك، فأضربت عن الطعام احتجاجا على هذا القرار. غير أنّها عملت على استكمال تعليمها بنفسها بالإقبال على مطالعة الكتب والمجلاّت والاستماع إلى الإذاعة وحضور بعض الأنشطة الثقافية...

تزوّجت راضية بن عمّار سنة 1940 من حمّودة  الحدّاد (مولود في 04 أفريل 1914)، الذي كان يكبرها بثلاثة عشر سنة. وهو ابن رئيس محكمة الدريبة، القاضي العروسي الحدّاد  الذي ترأس ليلة 27 رمضان 1365 هـ/ 23 أوت 1946م «مؤتمر ليلة القدر» الذي تبنى لأول مرّة في لائحته الختامية مطلب الاستقلال عن فرنسا. وهو مهندس درس العلوم الفلاحيّة وحصل على ديبلوم مدرسة الفلاحة بتونس سنة 1936. ورغم استقرار راضية بن عمّار نهائيا ببيت آل الحدّاد بمقرين فإنّ ذلك لم يمنعها من متابعة الشأن العام وكل المستجدات على الساحة الثقافيّة بمدينة تونس والمشاركة في بعضها بكثافة.

أثمر زواج راضية بن عمّار من حمّودة  الحدّاد  ميلاد ولد وبنتين، هم على التوالي: البشير (ولد في 26 مارس 1942) ونايلة (ولدت في 23 نوفمبر 1942) وليلى (ولدت سنة  1953).

برزت راضية الحدّاد على الساحة الوطنيّة قبل الاستقلال بسنوات، إذ نشطت في الكشّافة التونسيّة منذ سنّ الطفولة، وفي سنة 1947 ترأست جمعية «حبيبات الكشّافة». كما انضمّت إلى «الاتحاد النسائيّ الإسلاميّ التونسيّ» الذي أسّسته وترأسته بشيرة بن مراد منذ سنة 1936 وقامت في سنة 1952 بدور كبير في مؤازرة عائلات المساجين السياسيّين من الوطنييّن التونسيّين مادّيا وأدبيا، تنفيذا لتعليمات الحزب الدستوريّ والمنظمات التابعة له.

وعمل بتوجيهات الحزب والحكومة التفاوضية الثانية، وتماشيا مع أهداف الاستقلال الداخلي للبلاد، سعت راضية الحدّاد مع العديد من نساء تونس إلى توحيد جميع الجمعيات والمنظمات الوطنيّة في منظمة وحيدة، فكان ميلاد الاتحاد القومي النسائيّ التونسي رسميّا في 26 جانفي 1956. وقد أسندت لها خطة كاهية أمينة المال في أول هيئة إدارية له، إلى جانب عائشة بلاّغة (رئيسة) وأسماء بلخوجة - الرباعي (كاتبة عامّة) وسعيدة بوزقرّو - ساسي (أمينة مال) ونعيمة بن حمودة (أمينة مال مساعدة)، وكل من راضية بدرة ونائلة بن عمّار ومنجية بن عزالدين وسميرة بنغازي وخديجة بن رابح وبخته الدهان وشريفة فيّاش وفتحية المختار - مزالي وخديجة الطبّال (عضوات). وإثر خطابه ببورصة الشغل في اليوم الختامي للمؤتمر الأول للاتحاد يوم 09 أفريل 1958، كلّف الرئيس الحبيب بورقيبة عبد المجيد شاكر بتعويض عائشة بلاّغة براضية  الحدّاد، وبذلك استمرّت على رأس الاتحاد إلى غاية القطيعة مع قصر قرطاج سنة 1972.

وخلال هذه الفترة، قامت راضية  الحدّاد  بعدة إنجازات هامة، لا تزال نتائجها واضحة للعيان، منها: إصدار مجلّة «المرأة» (15 ديسمبر 1961) والانخراط في البرنامج القومي لمحو الأميّة (1959) ثمّ البرنامج القومي لتحديد النسل والتنظيم العائلي (1965)، والبرنامج القومي للتلقيح، والبرنامج القومي لمقاومة الفقر وجهود مجابهة الكوارث الطبيعية إبّان سنوات الجفاف (بين 1964 و 1968) وفيضانات سنة 1969... وذلك بوضع مقرّات الاتحاد على الصعيدين المركزي والجهوي والمحلي وكل الإطارات النسائية، من نائبات جهويات ومحليات ومرشدات اجتماعيات وموظفات وعاملات، على ذمّة المشرفين على هذه الرامج للتعلّم والتلقيح ودروس السياسية الانجابية والصناعة والتكوين في الزربية وصناعة الكليم والسجاد (الحصير) والنسيج...كما أعطت مساندتها المطلقة ودون قيد للحزب وللرئيس بورقيبة شخصيّا.

وفي عهدها ارتفع عدد فروع الاتحاد بكيفيّة هامة بكامل أنحاء الجمهوريّة في ظرف وجيز، إذ انتقل من 115 فرعا سنة 1960 إلى 280 فرعا سنة 1961 و 304 سنة 1975. أمّا عدد المنخرطات فقد انتقل من 1.951 منخرطة سنة 1958 إلى 13.881 سنة 1961 و 26.008 سنة 1969 و 40.265 سنة 1974. ولم تقتصر فروع الاتحاد النسائي على العاصمة والمدن الكبرى، بل شملت كذلك المدن الصغرى والقرى والأرياف من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب بالشريط الساحلي والمناطق الداخليّة للبلاد على حد سواء. كما حاضرت بمناسبة عديد الزيارات التي أدّتها خارج تونس مع الوفود الرسميّة للحزب والدولة أو الاتحاد للتعريف بمكاسب المرأة والأسرة التونسية وبرامج عمل الاتحاد.

وبالتوازي مع نشاطها النّسائي، انتخبت راضية الحدّاد لثلاث دورات بمجلس الأمّة (البرلمان) منذ أول انتخابات تشريعيّة في نوفمبر 1959 إلى غاية سنة 1972، وانتخبت في 1969 نائبة أولى لرئيس المجلس وهو إجراء يحصل لأول مرّة في تاريخ المؤسّسة التشريعيّة بتونس؛ إلى جانب مهامها بمجلس الأمّة، انتُخبت راضية الحدّاد في الديوان السياسيّ واللجنة المركزيّة للحزب الدستوريّ الحاكم بين 1968 و 1972.وكلّفت خلال جلّ ندوات الحزب الحاكم ومؤتمراته بإعداد التقارير الخاصة بالمرأة والأسرة ومناقشتها.

ولمّا تصدّع الإجماع داخل الحزب الدستوريّ الحاكم بعد التخلي عن التجربة التعاضدية في سبتمبر 1969، تعاطفت راضية الحدّاد مع «التيار الديمقراطي» الذي ظهر خلال مؤتمر الحزب المنعقد بالمنستير بين 11 و 15 أكتوبر 1971. ولم يلبث روّاد هذا التيّار أن انفصلوا عنه نهائيا تحت ضغط الجناح الراديكالي إثر مؤتمر المنستير الثاني (12 و 15 سبتمبر 1974) ويأتي في مقدمة أولئك : أحمد المستيري، ومصطفى بن جعفر، وإسماعيل بولحية، وحمودة بن سلامة، وعبد الستار العجمي، والدالي الجازي، وعمر بن محمود وعبد الحيّ شويخة وشقيقها حسيب بن عمّار الذي سيؤسّس في 29 ديسمبر 1977 جريدة «الرأي» التي ستكون أول منبر إعلامي معارض لتوجهات الحزب الحاكم.

وفي سنة 1972 بدأت متاعب راضية الحدّاد مع النظام تبعا لتعليمات سيّدة قرطاج شخصيا؛ فتمّ منعها من السفر ثمّ حجٌز جواز سفرها ووقعت مضايقتها مرارا بدعوتها إلى أقسام البوليس والمحاكم للتحقيق معها في تهم «ملفّقة»، وفي سنة 1973 رُفعت عنها الحصانة البرلمانية وغادرت مجلس الأمّة؛ وفي مارس 1974 فُصلت من جميع أنشطة الحزب الاشتراكيّ الدستوريّ وأخيرا أُحيلت على القضاء بتهمة «سوء تصرّف في المال العام وخيانة مؤتمن»، في علاقة بأموال الاتحاد القومي النسائيّ التونسيّ. وفي يوم 09 ماي 1974 أصدرت المحكمة الابتدائية بتونس في حقّها حكما بالسجن لمدة أربعة أشهر مع تأجيل التنفيذ.

بعد انسحابها من الساحة العامة في صيف سنة 1974 تفرّغت راضية الحدّاد إلى شؤون البيت والعائلة والمطالعة والكتابة... وقبل وفاتها بسبع سنوات أصدرت راضية  الحدّاد  مذكّراتهـا بعنوان «كلمة امرأة» عن دار علّيسة للنشـر.

(Haddad Radhia, Parole de femme, éd. Elyssa, Tunis, 1995, 1995, 253 pages.)

وتذكر المؤلّفة في هذا الصدد أنّها وفّرت لصهرها الهاشمي الشاهد كلّ الوثائق فتولّى كتابة هذه المذكّرات، وكان على حدّ قولها «أمينا في نقل كل الأفكار الواردة به». وقد صدّره لها الأستاذ أحمد المستيري. تحدّثت راضية الحدّاد في مذكراتها عن نشأتها ودراستها وحياتها الشخصية ونشاطها الجمعياتي وتجربتها صلب الاتحاد القومي النسائي و«المعارك الاجتماعية» التي خاضتها مع رفاق دربها...، لتنتهي بالحديث عن الحياة السياسيّة وعن أبرز الأحداث التي جدّت بالبلاد أثناء الفترة البورقيبية من تجاذبات وصراعات سياسية. وعن هذه الفترة العصيبة من حياتها، تحدّثت راضية الحدّاد  عن الدسائس التي حيكت ضدّها لإبعادها والتشهير بها كحادثة استدعائها إلى القصر الرئاسي في سنة 1973 لحضور «مجلس الجمهورية» الذي خصّصه بورڤيبة للحديث عن فساد بعض مسؤولي الدولة وضرورة مقاومته... وقد خصّها بالذكر متّهما إيّاها «بامتلاك قصر وبالإثراء غير المشروع».

عُرفت راضية  الحدّاد  بقوّة شخصيتها وقولها لكلمة الحقّ وعدم التراجع عن القرارات التي تتخذها وعدم الخضوع لتأثيرات السلطة السياسية، بما في ذلك السلطة التنفيذية في أعلى مستوياتها، بمن فيهم الرئيس الحبيب بورقيبة ووزراءه ومدير الحزب الحاكم...الخ.

وتأكيدا لذلك قالت ذات مرّة لبورڤيبة: «كُنت بطل الاستقلال وحان الوقت لتكون بطل الديمقراطية». كما لم تتورّع عن انتقاد سياسيته «الاستبدادية» ضدّ الاتحاد العام لطلبة تونس، خاصّة في أعقاب حركة 05 فيفري 1972 وغلق الجامعة ومحاكمة الطلبة... وقد كلّفها موقفها هذا الكثير.

ورغم كلّ ذلك، كانت وظلّت مناضلة حاملة لهموم المرأة في قلبها، رافعة راية النسويّة عاليا حيث مرّت دون أن تتخلى يوما عن فلسفتها في الحياة والدعوة إلى تغيير الواقع الاجتماعي المتردي وإصلاحه. لقد تحدّت هذه المرأة كل الظروف و الصعاب لأسباب مبدئيّة، وأبرزها الدفاع عن حريّة الرأي والتعبير والتعددية الحزبيّة...، والعمل على تحسين الأوضاع المادية وخاصة الفكريّة والمعنويّة للمرأة والأسرة. ولعل هذا ما يفسّر عودتها للظهور في الساحة العامة والمنابر الإعلامية إثر زوال النظام البورقيبي.

غادرت راضية الحدّاد الحياة في 17 نوفمبر 2003 عن عمر يناهز الواحدة والثمانين سنة تاركة وراءها تاريخا من النضال يقف حاجزًا بينها وبين النسيان. وفي يوم 25 نوفمبر 2011 تمّ تحويل نهج يوغسلافيا سابقا (يفتح على السوق المركزية بتونس) الذي احتضن مقرّ جريدة «الرأي» المعارضة التي كان يديرها شقيقها حسيب بن عمّار إلى نهج يحمل اسم «نهج راضية الحدّاد». وفي ذلك أكثر من اعتراف رسميّ بما قدّمته هذه المرأة للبلاد.

 

عادل بن يوسف

 

تفاعل مع المنشور وشاركنا تعليقاتك

ابحث بالمجال
العلوم
الاجتماعيّة والقانونيّة
العلوم
التجريبيّة والطبيّة
الآداب
والفنون
الالتزام
والنّضال في الحياة العامّة
الحضارة
والتاريخ
تواصل معنا

اقترح شخصية

تواصل معنا

العنوان

شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية

البريد الالكتروني
directiongenerale@credif.org.tn
رقم الهاتف
0021671885322
Drag View Close play
0%