مجالات النشاط

• العلوم الاجتماعيّة والقانونيّة

تطالعك ملامحها الجميلة وصوتها الهادئ ويحثك حضورها القويّ على الشاشة على التمعّن في كلماتها وتعابير محيّاها... تطلّ مذيعة الربط «وحيدة بلحاج» لتُعلن عن انطلاق البرنامج التّلفزي الموالي على شاشة التلفزة التونسيّة أو تقدّم مواعيد الفقرات التي ستُعرض لاحقا على الشاشة الصّغيرة من نشرة إخبارية أو مسلسل عائليّ، فتستقبلها عيون المشاهدين بحفاوة وترحيب كبيرين.

هي باختصار واحدة من أيقونات الزّمن الجميل للشّاشة الصّغيرة التّونسيّة، «إذ بعد مرور وقت قصير على انطلاق البثّ على شاشة التلفزة التونسيّة انضمّت وحيدة بلحاج رفقة عدد من المذيعات المتميزات إلى فريق تقديم البرامج والفقرات التلفزيّة»، فإثر انطلاق البث على التلفزة التونسيّة، لمع نجم أربع مذيعات وقع عليهن الاختيار من بين 27 مترشحة وهن : نزيهة المغربي، نبيهة بن صميدة، عفيفة بن عاشور وفكرية الغربي، وبعد مرور وقت قصير، انضمت كلّ من سلوى العياشي وليليا بن دخيل ووحيدة بلحاج إلى فريق مذيعات الربط بالتلفزة التونسيّة. ثمّ انضمّت إلى الفريق ثلّة أخرى من المذيعات وهن : دعد حمادي وبيّة الزردي وكوثر البشراوي ويسرى السعيدي وبثينة جبنون وليليا المزني وسامية المغربي.

ولدت وحيدة بنت سالم بوعلاق –أصيلة مدينة توزر- في 17 جانفي  1935، بطبربة (ولاية منّوبة)، في عائلة محترمة ، إذ «لا يمكن الحديث عنها دون الإشارة ولو بإيجاز إلى أبيها وخاصة جدّها الأعلى ، إذ «كان أبوها يعمل خليفة ولذلك فقد كان ينتقل في عمله من مدينة إلى أخرى في تونس وخاصة في الوطن القبلي، إضافة إلى صيت مميّز لجدّها في الجنوب» (معالج، عبد القادر، الصّحافة النّسائية في تونس، الوكالة المتوسّطية للصحافة، 2004، 94 صفحة ، ص  80).

اختارت 'وحيدة بلحاج' كأغلب بنات جيلها - في فترة ما بعد الاستقلال- أن تمتهن التّدريس لتنطلق مسيرتها المهنيّة  كمدرّسة في سلك التّعليم، لكنّ هذه المسيرة سُرعان ما توقّفت لتفسح المجال لمحطّة احترافية جديدة كي تحطّ 'وحيدة بلحاج' الرّحال في مؤسّسة الإذاعة والتلفزة التونسيّة سنة 1967 للقيام بهمّة مذيعة ربط.

لم تكن مسيرة 'وحيدة بلحاج' في رحاب الاذاعة والتلفزة التونسية (إ.ت.ت) مقتصرة على الربط بين فقرات البرمجة اليوميّة للشّاشة الصّغيرة بل سعت إلى إثبات جدارتها في تقديم البرامج والحصص التّلفزيونيّة المتنوّعة إذ خاضت تجارب عديدة في التّقديم التلفزيّ وكان إتقانها للُّغتين العربيّة والفرنسيّة مفتاح نجاحها في الانتقال من «مذيعة ربط» إلى «صحفيّة ومقدّمة لنشرة الأخبار ثمّ منتجة لبرامج ذات صبغة اجتماعية تُعنى بالأسرة والمجتمع إضافة إلى برنامج يُعنى بشؤون المرأة، علاوة على برامج ذات صبغة ثقافية كبرنامج «ذاكرة التّلفزة» وأخرى أدبيّة كإنتاج ملفّات خاصّة حول الأدباء العرب» (أنظر : موقع باب بنات، «وداعا وحيدة بلحاج»، تاريخ النشر 10 أكتوبر 2007، طلع عليه في 20 أفريل 2021، الرابط: https://www.babnet.net/

وقد كان لوحيدة بلحاج - إلى جانب عملها كمذيعة ومنتجة - ميلٌ خاصّ تجاه الأنشطة الاجتماعيّة والتطوعيّة ؛ لتضطلع بعدد وفيرٍ منها لعلّ من أبرزها أنشطتها المكثّفة صلب 'الاتحاد الوطني للمرأة التّونسيّة' و'منظّمة الطّفولة التّونسية 'و'الجمعيّة التّونسية للتّبرع بالأعضاء'، علاوة على انخراطها في 'رابطة الاتّصاليات' بصفة عضو مؤسّس لتترأّس 'وحيدة بلحاج' فيما بعد هذه الرّابطة حتّى يوم وفاتها.

وقُلِّدَتْ 'وحيدة بلحاج' عديد الأوسمة من رئاسة الجمهوريّة التّونسيّة تقديرا لأنشطتها المتنوعة في المجالات الثقافيّة والاجتماعيّة والإعلاميّة والخيريّة.

وقد تميزت فترة الثّمانينات بمحدودية في عدد الدّوريات المتعلقة بالصّحافة المتخصصّة، «وكذلك الشّأن بالنّسبة إلى الصّحافة النّسائية التي لا تعُدُّ أكثر من عنوانيْنِ هما : مجلة 'المرأة' الصّادرة عن الاتّحاد النّسائي التّونسي ومجلة «بلوريال»   (الجمع)  Pluriel التي تُصدرها وحيدة بلحاج (...) شهريّا منذ 4 نوفمبر 1988» (حمدان، محمد، مدخل إلى تاريخ الصحافة في تونس: 1838-1988، منشورات معهد الصحافة وعلوم الإخبار ، عدد الصفحات 434، 1996  وأنظر أيضا : عودات، حسين، الموسوعة الصحفية العربية ، جامعة الدّول العربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، إدارة الثقافة، 1990، ص 36) 1988»)،  إذ خاضت 'وحيدة بالحاج' تجربة إصدار دوريّة متخصّصة «على نفقتها الخاصة وهي مجلة مزدوجة اللّغة بالعربية والفرنسية عنوانها Pluriel Magazine دام صُدورها إلى سنة 1990، ثمّ اختفت بسبب الضائقة المالية وشحّ الموارد المتأتّية خاصة من الإعلانات» (عبد القادر معالج، الصحافة النسائية في تونس، الوكالة المتوسطية للصحافة، 2004، 94 صفحة ، ص 82.).

لم تمنع مسيرة 'وحيدة بلحاج' المذيعة والمنتجة ومقدمة البرامج ومديرة المجلة المتخصّصة والرّائدة في الأنشطة الاجتماعيّة والخيريّة من أن تكون أيضا امرأة ناجحة على الصّعيد العائليّ، إذ أنّ وحيدة بلحاج زوجة وأمّ لثلاثة أبناء وبنت وجدة لحفيدين.

وبعد رحلة طويلة من العطاء والتألّق ونجاح كبير على الشّاشة الصّغيرة، ولّى زمن 'مذيعات الربط' وتغيّرت ظروف المكان والزّمان، لتختفي 'وحيدة بلحاج' وزميلاتها عن شاشة التّلفزيون التونسيّ التّي أطللن منها على جمهور عريض من المشاهدين أحبّهنّ لعقود، لينطفئ الضّوء المتلألئ لأيقونة الشّاشة الصّغيرة 'وحيدة بلحاج' ويُوافيها الأجل ذات خريف يوم 6 أكتوبر 2007. ورغم مرور أكثر من 13 سنة على وفاتها فإنّ صورتها بقيت دائما حيّة في ذاكرة كلّ من عاصر الزّمن الجميل لمذيعات الرّبط على شاشة التّلفزة التّونسيّة.  

 سميّة بالرّجب