ولدت زكيّة باي يوم 18 فيفري 1927 وتوفّيت في 2 فيفري 1998، وهي الابنة السّادسة لآخر البايات الحسينيّين، الأمين باي. تلقّت تعليما في العربيّة وأصول الدّين لدى مؤدّب في القصر (نساء وذاكرة، تونسيّات في الحياة العامّة 1920-1960، إنجاز جماعي تنسيق وتقديم حبيب القزدغلي، تونس، 1993)، وتعليما عصريّا في مدرسة «راهبات قرطاج» تضمّن الفرنسيّة والحساب والفنون والرياضة، ومع أنّها لم تتجاوز مستوى السّادسة من التعليم الابتدائي، فإنّها كانت مولعة بالفنون والموسيقى، فانتدب لتدريسها الفنّان علي السريتي فتعلّمت على يديه العزف على البيانو والعود، وفي هذا السياق تعرّفت على الشاعر الغنائيّ عبد الرزاق كرباكة.
تزوّجت زكيّة باي سنة 1944 من الدكتور محمد بن سالم، الذي كان الطبيب الخاصّ للأمين باي، ثمّ شغل منصب وزير الصّحة في حكومة مَحمَّد شنيق الثانية 1950-1952.
عُرفت زكيّة باي بنشاطها الوطنيّ ودعمها لمقاومة الاحتلال الفرنسيّ، فقد ورد في أحد التقارير الاستعماريّة بتاريخ 19 ماي 1952 أنّها كانت على علاقة وثيقة بالحركة الدستوريّة، وأنّها تقود حملة عدائيّة ضد فرنسا داخل القصر الملكي، فضلا عن مبادرتها بإحداث «لجنة لإغاثة ضحايا الوطن القبلي التي تتولّى جمع التبرّعات المالية والأغذية والملابس لفائدة المنكوبين».(Archives diplomatiques, série Tunisie 1944-1955, bobine 626, carton 275. La famille beylicale : dossiers nominatifs) ويضيف نفس التقرير أنّ الأميرة زكيّة متورّطة في قضية «اللّجنة السريّة للمقاومة» التي تأسّست خلال شهر مارس 1952، والتي كانت تدعو إلى المقاومة وتنفيذ الاغتيالات وعمليّات التخريب والتفجير، كما تتولّى طباعة المناشير وتوزيعها، ويحمّلها التقرير المسؤوليّة عن محاولة اغتيال النائب الفرنسي كولونا (Colonna) في باردو، «إذ قامت باختيار عنصرين للقيام بالمهمّة وكلَفت خادمتها وسائقا بأن يكونا دليلا لهما».
وتتطابق هذه المعطيات مع ما ورد في الشهادة التي قدّمتها ضمن كتاب «نساء وذاكرة...»، إذ تحدّثت عن ميولاتها الوطنيّة وعن تطوّر علاقاتها بأبرز رموز الحركة الوطنيّة مثل صالح بن يوسف والمنجي سليم وعلاّلة البلهوان وعزّوز الرباعي ومحمد المصمودي وفرحات حشّاد، وعن تواصلها المكثّف معهم، وكيف أنّها لعبت دور الواسطة بين الحركة الوطنيّة والقصر.
أمّا على المستوى العملي فتذكر أنها كانت وراء القيام بحملة للتبرّع بالدم إثر أحداث جانفي 1952 ؛ كما أنّها أسّست «لجنة الإغاثة القوميّة» لإعانة المتضرّرين؛ وقد اتّسع نشاطها ليشمل عدة مناطق في البلاد، فانضمّت إليها عدّة وجوه نسائية مثل الدكتورة توحيدة بن الشيخ وزكيّة اسكندراني والسيّدة عبد المولى، وتمكّنت من الحصول على دعم السلطة الجهويّة التونسيّة (القيّاد) لجمع التبرّعات، ويذكر أيضا دورها في تأسيس جمعية «القماطة التونسيّة» التي كانت تتكفّل برعاية الرضّع، وقد أسندت رئاستها الشرفيّة لوالدتها جنينة. ونظرا لهذا الدور الوطني وإلى إشرافها المباشر على بعض أعمال المقاومة فقد أطلق عليها لقب «النمرة السوداء».ولابدّ من الإشارة أيضا إلى الدور الذي اضطلعت به على المستوى الخارجيّ سواء في فرنسا أو خارجها من خلال اتصالاتها بعدة أطراف بهدف كسب الدّعم للقضية الوطنيّة. ورغم أهميّة ما قامت به من أعمال وطنيّة فإنّ إلغاء النظام الملكي يوم 25 جويلية 1957، كان بداية لمرحلة جديدة في حياة هذه الأميرة سِمتُها الأساسية التدهور والتراجع. لقد كانت تستأهل مآلا آخر، ولكنّ للتاريخ منطقه الذي يفهمه أهله.
عبد المجيد بالهادي
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية