هي زينب بنت أبي إسحاق إبراهيم التجاني، من شهيرات الأديبات في العهد الحفصي،لا يعلم تاريخ وفاتها على وجه التحديد لكنّها عاصرت إخوة لها ذُكر أنّهم عاشوا إلى حدود القرن السابع للهجرة. هي الشّاعرة الحاذقة وسليلة بيت الأدب والشعر، انتسبت هذه اللّامعة إلى قبيلة تجان (بكسر التاء) من قبائل المغرب الأقصى، جاء جدّها أبو القاسم التجاني مع جيش الموحّدين الفاتح واستوطن تونس وتزوّج فيها وكان من علية القوم وورث أبناءُه المناصب المخزنيّة وورثت عائلته، أولاده وبناته، الأدب والعلم. وهكذا نشأت زينب على يد والدها إبراهيم التجاني الشاعر وذي المكانة المرموقة في الدولة الحفصية، وكان عمّها أحمد كذلك أديبا وشاعرا. وعن هذين الأبوين تفرّعت شجرة وارفة الأغصان مليئة بالأدب والحكمة والشعر، وكانت زينب التجانيّة غصنا من تلك الشجرة العائليّة الأدبيّة الوارفة.
كانت زينب الأخت الوحيدة لأخوين هما علي وعمر، وكانا كأختهما شاعرين أديبين، وقد نُقل بعض شعر أختهما عن طريقهما وبروايتهما. وقد ذكرتها كتب الرحلة واللغة والأدب فلم تُسمَّ باسمها في رحلة العبدري ممّا جعل أخبارها ظنيّة، وعرّف بها حسن حسني في مقدّمة رحلة التجاني ونُقل عنها شعر في الوصف وفي الإلغاز والفخر بنسبها مما جعل النقاد يجزمون بإتقانها فنّ القول ومعرفتها بقوانين الصّناعة وتمكّنها من الأدب وأوضاعه الصّحيحة وأنّها ذات خيال واسع فاقت في ذلك البعض من الشعراء الفطاحل من الذكور، ولعلّها تعلّمت كلّ ذلك الأدب عن والدها وفي حضن عائلة أدبيّة اشتهرت طيلة القرنين السّادس والسّابع الهجريّين، وتركت أثرا عظيما في الأدب التونسي في العصر الوسيط وفي خيال الشعراء والأدباء.
نشأت زينب التجانية في وسط راق فاصطبغت به وأشعّت كلماتها تعبّر عن مدى قدرة النساء على الإبداع حين تتهيّأ لهن الفرصة لذلك ويُنشّأن على المساواة بينهن وبين إخوتهنّ الذكور. وكذلك كانت قصّة زينب تحدّث بأنها نشأت في بيت يقدّر النساء ويرفعهنّ مقاما عليّا فيعلّمهنّ الشّعر ويثقّفهنّ بالأدب ويروي عنهنّ القولَ الفصيح والأبياتَ والحكمَ، فلم يستكنف أخوها عمر من أن يروي عن أخته من أقوالها ما بقيت به حاضرة في كتب الأدب واللّغة والرّحلة، وما به شهد شعرها على تميّزها ورفعة خيالها المصقول بالتنشئة التي حظيت بها داخل عائلة بارزة عرفت الرئاسة والشّرف. ولقد ذُكر في ترجمة أخيها عليّ في كتاب العمر أنّه تعلّم النّحو واللغة عن أمّه «ستّ الأهل» وأنّها كانت شاعرة حاذقة. فلا غرابة أن تنبغ البنت في بيت جمع ذكوره والإناث العلم والأدب.
ومن جميل قولها ملغزة فيمن اسمه تميم [الطويل]:
«يقولون لي هذا حبيبُك ما اسمُه
فما اسطعتُ إفشاءً وما اسطعتُ أكتُمُ
فقلت اسمه ميمٌ وحرفٌ مقدَّمٌ
فهذا اسمُ مَن أهوى فديتُكُم افهموا»
وقالت تصف شَعرَ صديقتها [الطويل]:
«إذا انسدلت منه عليها ذؤابةٌ
كغصنِ أراكٍ عانقتْه أراقمُ
أثيثٌ طويلٌ فهو يستر جسمَها
إذا نزعتْ عنه الملابسَ أسحمُ
كأنّ الصباح ارتاع من خوف طالبٍ
بثأر فألْوى بالدجى يتكتّمُ»
ليس لنا صورة عن زينب التجانية ولا ديوان شعر ولا آثار مكتوبة أخرى نستدلّ بها على براعتها ورهافة حسّها، ولقد تضاربت في خبرها المصادر لأنهّا لم تسمّها باسمها وتركت الشكّ قائما في إمكان الخلط بينها وبين أمّها وغيرها من أديبات عائلتها، وحتّى حسن حسني عبد الوهاب الذي وعد بالعودة إليها بالتفصيل ليخصّص لها مدخلا ببليوغرافيا (انظر وعده في مقدمة رحلة التجانيّ) فقد وافته المنيّة قبل تحقيق هذا الوعد وهو الذي عثر بالصدفة على اسمها في المخطوطات فحفظه من النسيان ثم سقط اسمها من كتابه الأخير «كتاب العمر» الذي أكمله بعد وفاته الأديب العروسي المطوي حين أتمّ التعريف بعائلتها. ولكن حسبنا بعض قولها الصّامد عبر الزمن يحدّث عن أديبة تربّت في وسط يقدّر النساء ويغرس الإبداع ولا يحتكر المعرفة ولا يرى في الرواية عن الأخت أو الأمّ وفي أخذ العلم عنهما نقصانا للرجولة، ولذلك فقد كانت زينب علامة بارزة على فاعليّة النساء في الدولة الحفصيّة وعلى قدرتهنّ على الإبداع ومدى مساهمتهنّ في تنشيط الحياة الأدبيّة والثقافيّة في إفريقيّة الحفصيّة.
زينب التوجاني
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية