الزّهرة فائزة ممثّلة تونسيّة مُخَضْرِمة كان لها حضورٌ لافِتٌ في المسرح والدراما عامّة، قبل استقلال البلاد وبعده. واسمُها الأصليُّ هو الزهرة بوقرين وُلِدت سنة 1919 بمدينة تالة من ولاية الكاف وقتها. وتُوِفّيت سنة 1999. كان أبوها يوسف بوقرين مُربّيًا للماشية وتاجِرًا ناجِحًا فيها. انتقلت مع أُمّها إلى العاصمة وهي صغيرة السنّ وأقامت معها في المدينة العتيقة واندمجت في نسيجِها الاجتماعِيّ والثقافِيّ. ويُمكن أن نعتبرها النموذجَ الأمثل من الفنّانات اللاتي عرفهن المسرح التونسيّ واللاتي تمَكَّنَّ من تحقيق ذَوَاتِهنّ من خلال هذا الفنّ. فلئن التقت في مسارها مع أغلب من عاصرتهُنّ من الـمُمَثّلات وَقْت التحاقها بهذا الميدان فإنّها نجحت نجاحًا لافٍتًا في ممارسة هذا الفنّ وفي الإسهام، خاصّة، في الفوز باعتراف المُجتَمع بقيمة الفنّانات وتنزيلِهنّ منزِلةً لا تخلو من تقدير.
لقد كانت الزّهرة فائزة، شأن غالبيّة معاصِراتها، عصاميّةَ التكوين، لا على صعيد الفن المسرحيّ فحسب وإنّما على المستوى التعليميّ، كذلك؛ فلم تذهب إلى المدرسة بصورة متّصلة، فضلا عن أن تدرس أصول هذا الفن في المدارس المُختصّة الغائبة في ذلك الوقت. ولقد التحقت بهذا الميدان كأغلب الممثلات، في ذلك العهد، عن طريق الصُّدفة وكانت من القلائل اللاّتي نجحن نجاحَها فلقد اكتسبت، من خلال الممارسة العَمَلِيّة، مهارات في هذا الفنّ وثبَّتَتْ أقدامَها فيه تثبيتًا تجلّى في استمرار حضورها، على امتداد عقود من الزّمن، في عدد هامّ من الأعمال الدراميّة. ولقد تفاعِلت، في ذلك، مع التَّحَوُّلات التي شهدتها البلادُ وعرفها المَسِرَحُ والفنونُ المتفَرّعةُ عنه؛ فكان لها أن مثّلت في الإذاعة، ثم في التليفزيون، منذ نشأتهما في القطر التونسيّ؛ وأسْهَمَت في الأعمال السينمائيّة الرّوائية التونسيّة الأولى؛ بل إنّها بعثت شركةً خاصة للإنتاج السينمائيّ. وفي هذا تتجلّى فرادة المسار الذي عرِفته حياتُها، عامة، وحياتها الفنّيّة، بشكل خاصّ. وفي هذا يتجلّى، كذلك، إسهامُها في ترسيخ قيمة الفنّانات في نظر المجتمع التونسيّ.
كانت بدايتُها في المسرح عندما تمّ اختيارُها، وقد كانت تنتمي إلى المجموعة الصوتيّة في المعهد الرشيديّ، لتؤمّن حضورًا نِسائيًا في عرض مسرحيّ : كان ذلك سنة 1940 حسَبَ ما نَقَله عنها علي عبد الوهاب في «جولة تاريخية في فنّ المسرح» ص: 101 - 114. ولقد تمرّست، بعد ذلك، بهذا الفنّ، شأنُها في ذلك شأن عدد من مُعاصِراتها، بفضل تأطير المديرين الفنّيّين (المخرجين) وعِناية الـمُـلقِّنين الذين كانوا يلعبون دورًا هامًّا لا في مساعِدة المُمثّلات على حِفظ أدوارِهنّ، وخاصّة منها القائم حِوارُها على العربيّة الفصحى، فحسب، وإنّما على استيعاب هذه اللغة والبعض من ثقافتها.
وقد تَنقَّلت الزّهرة فائزة، بعد أن اكتسبت تلك الدُّربة، بين الجمعيّات المسرحية النّاشئةِ، وَقْتَها، والمتفرِّعةِ عن بعضها بعضًا شأن «الـمُستقبل التمثيليّ» و«الكوكب التمثيليّ» و«الاتحاد المسرحيّ» و«المسرح الشّعبيّ» و«المسرح الإفريقيّ». وأدّت الزّهرة فايزة عددًا من الأدوار النّسائية القائمة في الرّصيد المسرحيّ المتداوَل في السنوات الأربعين والخمسين بين الفرق المسرحية في تونس العاصمة وفي عدد من مدن البلاد الأخرى والمُتراوِحة بين المسرحيات المـُقْتبسة، خاصة عن شكسبير شأن «عطيل» و«هملت» وشهداء الغرام [روميو وجولييت] أو المسرحيّات المُستوحاة من التاريخ العربي: «هارون الرشيد» لمحمود واصف أو«العبّاسة» لعزيز أباظة أو «صقر قريش» لمحمود تيمور أو «أم عبّاس» لمحمد المرزوقي. كما كان لها حضور في الأعمال المسرحية الكوميدية ذات السمة الاجتماعيّة شأن «الحاج كلوف» لأحمد خير الدّين و«الجمل ضحك ضحكة» لعبد العزيز العروي و «مرتي كلاتها قطّوسة» لمحمد الدرّاجي وغيرها ...
التَحقت الزّهرة فايزة، سنة 1946 بالإذاعة التونسيّة بمجرد أن أُنشئت فرقتُها التمثيلية، وظلّت فيها إلى آخر حياتها. وكانت مِنْ بيْن مَنْ تمّت دعوتهُم ليكونوا ممثلين مُحتَرِفين في فرقة مدينة تونس عند نشأتها موسِم 1954- 1955.
مكّنتها الإذاعة من أن تُعْرَفَ عند عموم التونسيّين من خلال بعض الشخصيّات الطريفة التي كانت تلقى قبولًا لدى أغلب المُستمعين شأن شخصيّة «ددّو» في سلسلة « في دار عمّي سي علالة» وترسّخت شُهرتهُا بينهم، أكثر، مع نشأة التلفزيون التونسيّ وخاصة مع بداية الإنتاج الدراميّ فيه.
وبدا من الطبيعيّ، بِحكم حضورها اللافت في مجال المسرح والإذاعة ثمّ في التلفزيون، أن تكون من بين الممثلات التونسِيات الأوائل اللاّتي تمّت دعوتُهنّ إلى المشاركة في مختلف الأعمال السينمائية الأولى التي أُنتجت في تونس المـُسْتَقِلّة حديثًا؛ فكانت حاضِرةً في «جحا» 1958 لجاك باراتيي Jacques Baratier مع عُمر الشريف و«كلاوديا كاردينالي» Claudia Cardinale في بداياتهما؛ وعَوَّل عليها عمار الخليفي أوّلُ المُخرِجين السّينمائيّين التونِسيّين في فيلميْن له : «المتمرِّد»، 1968 و»صراخ»،1972 ثمّ أدّت دورَ «أمي تراكي» في شريط من إخراج عبد الرزّاق الحمامي، 1973، وكان لها أن شاركت، مثل عدد من زملائها، في بعض من الأفلام الأجنبيّة التي صُوِّرَتْ في البلاد التونسِيّة. وأنشأت الزّهرة فايزة شركة «أفلام فائزة» للإنتاج السينمائيّ وأنتجت في إطارِها، سنَة 1970، شريطَ « أم عبّاس» الذي أدّت فيه الدّورَ الرئيسيّ وأخْرَجَه علي عبد الوهّاب (زوجُها الثالث)، بعد أن سَبِق له أن أخرج العملَ ذاتَه في شكل مسرحيّة.
ولقد ارتبطت صورة الزّهرة فايزة لدى الجمهور التونسي، بشخصيّة «أُمّي تراكي» التي أدّتها في سلسلة تلفيزيونية موسومة بـِ : «أمّي تراكي ناس ملاح»، كتب السيناريو والحوار «عادل وطارق» (محمد الهمامي والبشير بن جعفر) وأخرَجَه «عبد الرزّاق الحَمَّامي» أَوَّلُ المُخْرجين التليفزيونيين التونِسيِّين ثم حَوَّلَه إلى شريط سينمائي.
ولئن انتمت «أمّي تراكي» إلى الطبقة الشعبيّة التقليديّة فإنّها اتسمت بقوّة في الشخصيّة وبحضور في البديهة وبقدرة على القيادة والتسيير اختلفت عن الصورة النمطيّة للمرأة المستكينة للأمر الواقِع التي طالما كانت توسم المرأة التونسيّة بها. ولعلّ في ذلك بَعضًا ممّا يُفسّر تعلّق المتفرّجين بمثل هذه الشخصيّة الطريفة والخارجة عن المعهود ويُعلّلُ إعجابهم بالزّهرة فايزة التي كانت تتقمّصها.
ولَعلّنا واجدون في الزّهرة فايزة شيئًا من شخصيّة « أُمّي تراكي» هذه، وواقِفون في هذه الشخصيّة على شيءٍ من الزّهرة فائزة وشيءٍ من سماتِ جيلٍ من النساء وَضَعْن، وإنْ بشكل غير مُباشِرٍ، موضِعَ السؤال صورةَ المرأة الـرّاضِخة والقابِلةِ مَنْزِلَتَها في مُجتمع ذكوريٍّ غالبٍ.
محمد المديوني
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية